“لا أملك ثمن مازوت للتدفئة وأهلي يطلبون مني الزواج بأسرع وقت، ولا يوجد أحد مستعد لأن يعطي ابنته لشاب لا يستطيع تأمين حياة كريمة لها ولأبنائها في المستقبل”.
بهذه الكلمات وصف الشاب “طلحة الخضر”، وهو من سكان مدينة الحسكة الخاضعة جزئياً لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” أسباب عزوفه عن الزواج إلى الآن، على الرغم من دخوله اليوم عامه الـ 38 وإنهاء تعليمه الجامعي منذ أكثر من 15 سنة، وحصوله على وظيفة في إحدى مؤسسات النظام قبل انطلاقة الثورة السورية ومن بعدها لدى مؤسسات “الإدارة الذاتية”.
وتعيش مدينة الحسكة الواقعة في شمال شرق سوريا ظروفاً معيشية صعبة في ظل ارتفاع أسعار جميع المواد والسلع التجارية والغذائية، وارتفاع تكاليف المعيشة بشكل عام مقارنةً بدخل الفرد اليومي، ناهيك عن الأزمات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة مثل أزمة الغاز والمحروقات والكهرباء والماء، وأيضاً ارتفاع مستويات البطالة بين الشباب مع غياب فرص عمل حقيقية لهم.
وأكد “طلحة” في حديث خاص مع منصة SY24، أن أغلب الشباب اليوم لا يريدون الزواج لأن تكاليفه باتت لا تطاق أبداً، على الرغم من قيام معظم العشائر العربية الموجودة في المنطقة بتحديد قيمة المهر المقدم للفتاة ومحاولة تخفيضه قدر الإمكان لتسهيل الأمر على الشباب، إلا أن ذلك لا يكفي فباقي المتطلبات أصبحت مكلفة أكثر من المهر والذهب”.
وأضاف أن “هناك عشرين شاب من أصدقائي وأقاربي دخلوا عامهم الأربعين ولم يتزوجوا ولا أعتقد أنهم سيفعلون ذلك، بعد يأسهم من تحسن الأوضاع المعيشية في المنطقة أو توافر فرص العمل الحقيقية لهم، أو حتى حصولهم على فرصة للسفر خارج المنطقة والهجرة إلى أوروبا التي باتت حلماً لمعظم أبناء المدينة”.
مصدر محلي، قال لـ SY24، إن أسعار الذهب ارتفعت بشكل كبير خلال الأشهر الماضية حيث بلغ سعر غرام الذهب اليوم في المدينة حوالي 350 ألف ليرة سورية، في الوقت الذي هبطت فيه الليرة السورية مقابل الدولار الواحد لتصل إلى حوالي 6600 ليرة سورية وهو رقم قياسي جديد لليرة، ما أثر بشكل مباشر على الأسعار بشكل عام وعلى الشباب الراغبين بالزواج بشكل خاص.
وتابع الشاب حديثه قائلاً: “من أهم العوائق التي تقف في طريق الشباب الراغبين بالزواج هي تأمين المسكن وشراء الأثاث، لأن ذلك بات أمراً صعباً جداً في المدينة، وخاصةً مع ارتفاع أعداد النازحين القادمين من باقي المحافظات السورية وأيضاً من أرياف المدينة التي شهدت معارك دامية مع تنظيم داعش، وحدوث أزمة سكن تسببت برفع إيجارات المنازل أضعافاً مضاعفة”.
وأضاف أن “الزواج يكلف اليوم الشاب لا يقل عن 5 آلاف دولار كحدٍ أدنى، هذا في حال لم تطلب عائلة العروس مبالغ خيالية من الشاب، واليوم راتبي أنا لا يتجاوز 40 دولار أمريكي، ما جعل هذا المبلغ يعد ثروة كبيرة بالنسبة لي في الوقت الراهن، مع تدني المستوى المعيشي وغياب فرص العمل وغيرها من الأوضاع التي نعاني منها بشكل يومي”.
وفي السياق، تقول سيدة تدعى “أم محمد”: “قمت بتزويج ابنتي ذات الـ 18 عام مؤخراً مقابل مهر لم يتجاوز 400 دولار أمريكي وخاتم ذهب يزن أقل من 4 غرامات، لأن الأوضاع الاقتصادية لا تسمح لنا بطلب مبالغ مالية كبيرة من الشباب الذين يعانون أصلاً من ظروف معيشية صعبة مع عائلاتهم”.
ولفتت في حديثها مع منصة SY24، “لو أن جميع العائلات التي لديها فتيات تنازلوا عن بعض المتطلبات الرئيسية وخفضوا من قيمة المهر وأيضاً من الذهب والعرس والفستان وغيرها من الشكليات، لانحلت الأمور بالنسبة لعدد كبير من الشباب الراغبين فعلياً بالزواج، والذين باتوا الآن يفضلون الهروب والهجرة الى أوروبا على وضع كافة مدخراتهم كـ تكاليف زواج”، على حد وصفها.
وبحسب إحصائيات غير رسمية، فإن نسبة الشباب الذين بلغوا سن الخامسة والثلاثين ولم يتزوجوا بلغت أكثر من 40% في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”، فيما بلغت نسبة العنوسة لدى الفتيات أكثر من 60% وهو ما بات يهدد الحياة الاجتماعية والتركيبة السكانية للمنطقة، التي شهدت خلال سنوات الحرب تناقصاً كبيراً في عدد السكان نتيجة الهجرة الداخلية بين المحافظات السورية، والخارجية إلى تركيا وأوروبا.