تستغل الجدة “أمينة”، أشعة الشمس المتسللة بين الخيام، في يوم كانوني بارد، ضمن تجمع مخيمات “كفر لوسين” شمال إدلب، تخرج من خيمتها، برفقة أحفادها الصغار للبحث عن شيء من الدفء، قبل أن تختفي الشمس وراء الغيوم، وتعود إلى خيمتهم القماشية الباردة التي أكلت الرياح والأمطار منها اجزاءً واضحة وباتت أبرد من العراء.
تقول الحاجة السبعينية إنها كباقي العائلات في المخيم تعاني من البرد الشديد، ومن أمراض الشتاء الكثيرة بسبب قلة التدفئة، فهي امرأة كبيرة في السن، تحتاج رعاية خاصة، رغم ذلك تؤجل إشعال المدفأة إلى ما بعد حلول الظلام وانخفاض درجات الحرارة، لتوفر ما استطاعت من الوقود إلى اليوم التالي.
يعاني الأهالي القاطنين في المخيمات شمال سوريا من انعدام وسائل التدفئة والتي زادت أسعارها أضعافاً عن العام الماضي، حسب ما رصدته منصتنا في أحد تقاريرها السابقة، كما أن الأوضاع المعيشية والاقتصادية المتردية، وانعدام فرص جعل كثير منهم يعتمدون على المساعدات الإنسانية والإغاثية رغم شحها وقلتها في الفترة الأخيرة.
تعيش الحاجة مع ابنها وعائلته في خيمتين، لم يستطيعوا وضع سوى مدفأة واحدة للعائلتين، كما أنهم يعتمدون على الكمية القليلة من مادة “البيرين” وهو تفل الزيتون، التي تم توزيعها في المخيم من مادة البيرين، (تفل الزيتون) إضافة إلى ما يمكن جمعه وحرقه من أغصان وأوراق الزيتون، أو المواد البلاستيكية وأكياس النايلون وبعض الأحذية المهترئة.
حالهم كحال مئات آلاف العائلات في الشمال، غالبيتهم من النازحين والمهجّرين من قبل النظام السوري، ممن عجزوا عن تأمين مواد التدفئة هذا العام، فلا قدرة لهم على شراء مازوت التدفئة، أو الحطب أو المواد الأخرى، ليكون اعتمادهم الرئيسي على تلك المخلفات الضارة التي تجمع من الشارع ومكبات النفايات، رغم ضررها ورائحتها الكريهة، دخانها الأسود الكثيف الذي بسبب أمراض في الرئة جهاز التنفس.
إذ لا تنته معاناة العوائل في الشتاء بتأمين مواد التدفئة فحسب، بل إن الأمراض الصدرية التي تلحق بهم ولاسيما الأطفال وكبار السن منهم، جراء اعتمادهم على بقايا النايلون والمواد الأخرى الضارة غير المخصصة للتدفئة، نتيجة انبعاث الغازات السامة في المنزل أو الخيمة، تسبب لهم أمراضاً تنفسية خطيرة على العائلة وخاصة الأطفال ومرضى “الربو” .
وفي وقت سابق حسب ما رصدته منصة SY24، فإن الأمم المتحدة أكدت أنها بحاجة إلى أكثر من 200 مليون دولار أمريكي، لسد فجوة التمويل، وتلبية الاحتياجات المتعلقة بفصل الشتاء لمدة ستة أشهر اعتباراً من تشرين الأول الجاري، مؤكدة أن الاستجابة الإنسانية هذا العام تعاني من نقص حاد في التمويل ووصلت إلى 26.6% فقط ، الأمر الذي يظهر عدم التزام الدول المانحة فيما تعهدت به خلال وقت سابق.
يفتح فصل الشتاء في كل عام، معاناة متجددة لمئات الآلاف من المدنيين في محافظة إدلب وريفها، ومناطق المخيمات التي تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، بالوقت الذي يسكن في المنطقة حوالي أربعة ملايين شخص، نصفهم يقطنون في المخيمات يواجهون ظروفًا جوية قاسية تزيد من معاناتهم، دون استجابة حقيقية لإنهاء مأساتهم وعودتهم إلى منازلهم التي هجرهم منها النظام وروسيا قبل سنوات.