يمضي الشاب “باسم” 33 عام، معلم صف في المرحلة الابتدائية، بأحد مدارس ريف دمشق في مدينة التل، أكثر من 14 ساعة عمل، واصلاً ليله بنهاره، ليوفق بين مهنتي عمل، أجبرته ظروفه المعيشية على تحمل متاعبهما معاً، فبعد قضاء سبع ساعات كحارس ليلي في أحد المستودعات التجارية إلى وجه الصباح ، ينطلق إلى عمله في المدرسة، ليبقى ست ساعات أخرى، قبل ذهابه للمنزل، في سبيل تأمين لقمة العيش لعائلته.
يقول “باسم” في حديثه لمراسلتنا، إن: “راتبه المدرسي بالكاد يكفيه بضعة أيام، ويعتمد على راتبه من حراسة المستودع، في إكمال باقي أيام الشهر، فالعمل الإضافي أصبح ضرورة وليس خياراً”، حاله كحال كثيرين من الموظفين ولا سيما المعلمين والمعلمات.
يبلغ راتب المعلم في مناطق سيطرة النظام ما بين 120 إلى 180 ألف ليرة سورية، حسب سنوات الخدمة، أي ما يعادل قيمته ما بين 20 إلى 30 دولار، وهو متدني جداً مقارنة بالأوضاع المعيشية والاقتصادية المتردية، ما أجبر
كثير من أصحاب الخبرة والكفاءة العلمية، على ترك القطاع التعليمي والاتجاه نحو مهن أخرى مدخولها أكثر من مهنة التعليم، أو الجمع بين التدريس وعمل آخر إضافي.
معلمة اللغة العربية “نسرين” 32 عام، تؤيد ما قاله المعلم “باسل” فهي تعمل بعد دوامها في المدرسة، في بيع وتسويق المنتجات ومستحضرات التجميل، على مواقع التواصل الاجتماعي، وتعمل في إعطاء الدروس الخصوصية في منزلها أيضاً، لتأمين مصروف عائلتها، تقول لنا إن “راتبها في التعليم لا يكفيها أجرة منزل، في حين تعتمد على مردود البيع والدروس الخصوصية في تأمين احتياجات عائلتها، ولاسيما أنها المعيلة الوحيدة لأسرتها بعد وفاة زوجها منذ سنوات”.
مهن كثيرة يلجأ إليها المعلمون، تعد من المهن الشاقة، رغم تحصيلهم العلمي، وقضاء سنوات من الدراسة لتأمين فرصة عمل تناسب مستواهم العلمي، غير أن الظروف الاقتصادية التي يعيشها غالبية السوريون في مناطق سيطرة النظام، أجبرت كثيرين منهم على التوجه إلى تلك المهن دون تردد بل يقول المعلم “علاء الحلبي” اسم مستعار بناء على رغبته، لمراسلتنا، إن “مردود عمله في ورش عمل الدهان أعلى بكثير من عمله في التدريس”.
“علاء” معلم مادة التاريخ، من سكان مدينة برزة بدمشق، يعمل بعد انتهاء دوامه بالمدرسة، في ورشة دهان، مع عدد من الشباب، يضحك وهو يخبرنا أن جميعهم خريجو جامعات، وبكفاءات علمية عالية، إلا أن ضيق الحال أجبرهم على دخول سوق العمل في ورش البناء والكسوة مع تدني مدخولهم الشهري، وعجز كثير منهم عن إيجاد فرصة عمل تناسب تحصيلهم العلمي.
يقول “الحلبي” إن أجرة العمل في أي مهنة حرة اليوم أفضل من راتب المعلم بكثير، فأجرة العامل اليومية لاتقل عن 10 آلاف ليرة، أما أصحاب الخبرة تصل يوميتهم إلى 40 ألف ليرة، ولاسيما في مهن البلاط والبناء والتمديدات الصحية، في حين لا يتجاوز راتب المعلم طيلة الشهر 120 ألف ليرة فقط.
تخبرنا المعلمة “نسرين” أنه لم يعد من المستغرب اليوم أن تجد معلماً يعمل في غسل الصحون بأحد المطاعم، أو بيع المواد الغذائية في المحلات التجارية، أو تجده واقفاً على بسطة لبيع الألبسة في الأسواق، بعدما أصبح (التعليم مابطعمي خبز هي الأيام) حسب قولها.
وفي وقت سابق، تناولت منصة SY24 وضع المعلمين بشكل عام في الداخل السوري، حيث اشتكى عدد منهم من الإهانة وسوء المعاملة التي تعرضوا لها أحد المرات أثناء استلامهم الراتب الشهري من مديرية التربية.
إذ تعرض عدد من المعلمين والمعلمات إلى إهانات لفظية من قبل الموظفين المسؤولين عن تنظيم الدور، من أجل الحصول على مستحقاتهم قبل العطلة الرسمية، إذ وجهوا لهم عبارات مسيئة بسبب الازدحام الحاصل في المبنى، مستنكرين هذا السلوك المهين بحقهم، دون مراعاة لدورهم التربوي ومكانتهم الاجتماعية، بعد أن تم الصراخ بوجههم، مع ترديد عبارة “انقلعوا لورا ومافي راتب إذا ما بتوقفوا متل الخلق”.
هذا حال مهنة التعليم في مناطق النظام، بعد أن كانت مهنة “مقدسة” في نظر السوريين، وكان للمعلم/ة مكانته الاجتماعية المرموقة، واحترامه بين الطلاب وباقي الأوسط الاجتماعية الأخرى، أصبح اليوم عاملاً في شتى المهن الأخرى في سبيل تأمين لقمة العيش و أدنى متطلبات الحياة في ظل الأزمات المعيشية الخانقة التي تشهدها جميع المحافظات السورية.