تبذل “أسماء السعيد” أم لأربعة أطفال، أصغرهم “نزار” في سن الروضة، جهداً مضاعفاً في تعليم أبنائها الأربعة، ولاسيما أنها لم تتمكن وضع ابنها الصغير في الروضة كباقي الأطفال، بسبب ارتفاع أقساط معظم الرياض الموجودة في مدينة إدلب.
في حديثها إلينا، تخبرنا “أسماء” أنها تعتمد على مقاطع فيديو تعليمية على منصة (يوتيوب) في تعليمها مبادئ القراءة والكتابة لطفلها، وتحاول مواكبة ما يتعلمه أطفال جيرانها المسجلين في رياض خاصة، تقول لنا “لم أرغب أن يدخل نزار الصف الأول العام القادم، وهو جاهل تماماً لأشكال وأسماء الأحرف والأرقام، ويشعر بالفرق بينه وبين عدد كبير من الأطفال الذين التحقوا بتعليم مرحلة الروضة، فلم يكن أمامي سوى تدريسه في المنزل، وإلى الآن النتائج مرضية”.
“أسماء” واحدة من أمهات كثر، لجأن إلى التعليم المنزلي، بعد عجزهن عن وضع أطفالهم في رياض خاصة، في ظل الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها معظم الأهالي في الشمال السوري.
إذ شهد العامين الماضيين ارتفاعاً كبيراً في أقساط رياض الأطفال، والتي تختلف من روضة لأخرى حسب المنطقة والخدمات المقدمة وعدد الأطفال وأمور أخرى.
تخبرنا مديرة إحدى الروضات في إدلب، أن هناك أمور لوجستية أخرى تضاف إلى الأقساط، منها أجرة البناء، وتجهيزات الصفوف، وأجرة المدرسين، وتأمين مواد التدفئة وغيرها، ما يجعل أقل قسط شهري لأي روضة لا يقل عن 10 دولار للطفل الواحد، ما عدا أجرة المواصلات.
بينما هناك رياض أطفال كقسم من مجموعة مدارس خاصة، يبلغ قسطها 20 دولار وأكثر، و5 دولار مواصلات أي أن الفصل الدراسي الواحد قد يبلغ تكلفته أكثر من 75 دولار عن الطالب،ناهيك عن ثمن الملابس الموحدة، و الحقائب والقرطاسية وباقي لوازم الروضة وهو ما لا يستطيع تأمينه معظم العوائل، ولاسيما ذوات الدخل المحدود وعمال المياومة.
المعلمة “منال” 26 عام، سمح لها عملها كمدرسة في أحد مدراس مدينة إدلب، أن تضع ابنها في صف الروضة، أي ما تعرف باسم المرحلة التحضيرية التي تسبق الصف الأول.
حيث تصحبه معها كل يوم، بعد أن تم قبوله بشكل مجاني في روضة المدرسة، كونه ابن مدرّسة، تقول لنا :” خفف عني قبوله في الصف التحضيري، أعباء مادية أنا في غنى عنها، فالقسط الشهري لأبسط روضة يعادل ربع راتبي الشهري”.
افتتحت أغلب رياض الأطفال هذا العام تزامناً مع الموسم الدراسي، في 17 أيلول الماضي، مع قدوم فصل الشتاء والتحضير للمدارس ومواد التدفئة، ما جعل كثير من العائلات تتخلى عن مرحلة الروضة، مقابل الالتفات إلى أمور حياتية أكثر ضرورة برأيهم.
وهذا ما وافق عليه “أبوعدنان” يقيم في مخيمات دير حسان شمال إدلب، إذ أن مرحلة الروضة حسب رأيه رفاهية لا داعي لها، وجميع أطفاله درسوا في السابق دون أن يدخلوا روضة، وكذلك هو وإخوته، في حين تتسابق الأسر الميسورة، من الطبقة الغنية إلى هذه المظاهر، بل تتباهى في ارتفاع أقساط المدارس والروضات الخاصة لابنائهم، كونها واحدة من مظاهر المجتمع.
فيما يقل عدد الروضات في مناطق المخيمات، وهناك مناطق تكاد تخلو منها، إلا بعض المشاريع الخيرية التي تشرف عليها فرق تطوعية أو منظمات إنسانية أو جهود فردية
في مخيم شرقي سرمدا جعلت المعلمة “سهى” 31 عام، من أحد الخيام روضة بأبسط المقومات، إذ لا تحوي سوى مد أرضي بسيط، وبعض الاسفنجات، ولوح خشبي، تقول في حديثها إلينا :إنها :تشعر بالحزن على أطفال مخيمها، إذ انقطع عدد كبير منهم على التعليم، وكانت فكرة إنشاء خيمة خاصة بهم أمراً ضرورياً”
في روضة المعلمة” سهى” ، تتفاوت أعمار الطلاب، فهناك من هو في الثامنة والتاسعة من عمره بل وأكثر من ذلك، يحضرون ليتعلموا مبادئ القراءة بعد انقطاعهم عن التعليم بسبب ظروف النزوح والتهجير في السنوات السابقة.
مناطق كثيرة حرمت من التعليم الأساسي وليس فقط التعليم في المرحلة التحضيرية بسبب خروج عدد كبير من المدارس عن الخدمة بسبب قصف النظام السوري والطيران الروسي المنشآت التعليمية في المنطقة، وقد تناولت منصة SY24 ذلك في تقارير مفصلة، ما جعل المنطقة تفتقر للبنية التحتية والخدمية، والنهوض من جديد بأبسط المقومات الموجودة للحفاظ على تعليم أجيال كاملة.
تضاعف عدد المدارس والمعاهد ورياض الأطفال الخاصة في الشمال السوري آخر عامين، على حساب تراجع دعم القطاع العام، لصالح مستثمرين وأشخاص على صلة بالجهات التي تفرض سلطتها على المنطقة، وأصبح قطاع التعليم يعاني من ضعف في الإمكانيات، زاد منها التوجه نحو “خصخصة” التعليم، ما أثار موجة غضب بين الأهالي، الذين يعانون بالأصل من ظروف مادية صعبة، لا تسمح لهم بدفع تكاليف إضافية على التعليم الخاص.
إذ تخلت حكومة الإنقاذ عن مسؤوليتها في دعم العملية التعليمية، بالوقت الذي تصب اهتمامها في إعادة صيانة ملعب ما، أو تأهيل حديقة عامة، أو إعادة ترميم الدورات العامة في الطرقات، بتكلفة بلغت آلاف الدولارات، متجاهلين دعم قطاع التعليم بشكل كامل.