وسط ارتفاع وتقلب أسعار المحروقات في الشمال السوري، تشهد أجرة المواصلات تقلباً مماثلاً، ناهيك عن صعوبة تأمين وسائل النقل بين إدلب والمدن والبلدات المجاورة، لعددٍ من الموظفين وطلاب الجامعات والمعاهد التعليمية، فضلاً عن رغبة الأهالي في زيارة أقاربهم أيضاً بين الحين والآخر، وما يواجهها من صعوبة في تأمين المواصلات إلى تلك المناطق المتطرفة، ما يجعل الاعتماد على وسائل النقل الخاصة أكثر من العامة رغم فارق التكلفة بينهما.
الشابة “نور” 26 عام، من سكان إدلب المدينة، موظفة في مركز دعم المرأة في منطقة “كفر لوسين” شمال إدلب، تخرج يومياً إلى مكان عملها الذي يبعد قرابة ساعة ونصف عن مكان سكنها، مع عدد آخر من الموظفات، في سرفيس خاص للوصول في الوقت المحدد دون الحاجة إلى انتظار موعد انطلاق الباص العام.
تخبرنا في حديثها إلينا، أنها تستيقظ في السادسة صباحاً، وتصحب معها طفلتها الرضيعة، بعد الاتفاق مع صاحب السرفيس على موعد محدد للانطلاق من أمام باب منزلها في “حي الثورة” بمدينة إدلب، كي لا تتكلف عناء الذهاب إلى الكراجات والانتظار لوقت طويل في الظروف المناخية الباردة ولا سيما أنها تأخذ ابنتها معها.
كذلك تفعل ست سيدات أخريات، معظمهن يعملن في منظمات إنسانية خارج مكان سكنهم متوزعين بين مدينة (سرمدا، و الدانا، و كفرلوسين، وعقربات وقرب طريق باب الهوى) ، جميعهن تعاقدن مع صاحب السرفيس بشكل شهري أو أسبوعي، وهو ملتزم بإيصال كل واحدة منهن إلى مكان عملها، عكس وسائل المواصلات العامة التي تقف في أماكن عامة فقط.
تقول “نور” إنها تدفع أجرة يومية بقيمة 30 ليرة تركية ذهابا ومثلها إياباً، لصاحب السرفيس وكلما بعدت المسافة زادت أجرة النقل، ولكنها في نفس الوقت تراه الحل الأمثل للحفاظ على وظيفتها في ظل الغلاء والظروف المعيشية السيئة، وصعوبة الوصول إلى عملها بالمواصلات العامة.
تقطع “نور” كباقي السيدات قسماً من راتبها الشهري قد يصل إلى قرابة 50 دولار أو أقل أحياناً، ولكنها تضمن الوصول بالوقت المحدد دون عناء الانتظار في الكراجات العامة.
يملك “أبو هشام” 45 عام، سيارة خاصة نوع “فان” يعمل عليها منذ سنتين تقريباً، في توصيل الموظفين وطلاب الجامعات من مدينة إدلب وما حولها، يقول في حديثه إلينا : إنه “أمن فرصة عمل له، وسط الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة، وقلة فرص العمل، بعد خسارة وظيفته في السنوات السابقة قبل نزوحه إلى إدلب، وبقائه فترة طويلة دون عمل” .
يخبرنا أن، حاجته إلى إيصال ابنته الموظفة يومياً إلى مكان سكنها في مدينة أريحا إلى سرمدا جعلته يفكر في العمل على الطلبات الخاصة، بعد أن اتفقت خمس شابات أخريات من ذات المدينة على الذهاب معها، مقابل أجرة معينة لوالدها، ومنذ ذلك الحين إلى اليوم يعمل “أبو هشام” على سيارته في إيصال الموظفات كل واحدة إلى مكان عملها، ويبقى بانتظار انتهاء الدوام للعودة معه، وهذا ما وفر عليهن وقتاً وجهداً كبيرين، وأمن له فرصة عمل جيدة حسب قوله.
المعلمة “سميرة يحيى” مقيمة أيضاً في إدلب المدينة، تعمل في مدرسة خاصة بمنطقة عقربات، وتقضي حوالي ساعتين صباحاً ومثلها مساء، للوصول من وإلى مكان عملها، تقول في حديثها إلى مراسلتنا إن “الطرقات والمواصلات قبل سنة من اليوم كانت في غاية الصعوبة، بسبب وعورة الطرقات، وبعد المسافة، وقلة المواصلات العامة والخاصة، أما اليوم الوضع أفضل تقريباً”.
كانت “سميرة” في السابق تعتمد في الذهاب إلى عملها على باص “الزاجل” للنقل وهو حافلة كبيرة تعمل على خطوط معينة داخل وخارج مدينة إدلب، عبر رحلات يومية على رأس الساعة، تنطلق من الكراجات في إدلب إلى باقي المناطق، إلا أنها أحيانا تحتاج إلى الوقوف والانتظار لوقت طويل، وهذا لا يناسب مواعيد عملها مثل كثير من الموظفين وطلاب الجامعات.
عانت “سميرة” كثيراً في الوصول إلى مكان عملها، وكانت تضطر إلى الركوب في وسيلتين أو أكثر يومياً لتصل، وكثير من الأحيان لم تكن تجد وسيلة نقل أو قد يكون السرفيس ممتلئ بالركاب، وهذا ما سبب لها معاناة حقيقة.
فيما يلجأ قسم آخر من الأهالي، على الذهاب بطريقة تسمى شعبياً “التقطيع” وهو إيقاف أي وسيلة نقل كالسيارات الخاصة والركوب معها مجاناً إلى أقرب مكان، ولكن قد يمر وقت طويل إلى أن يجد الشخص السيارة التي تقله إلى نفس مكان عمله، وبالتالي هي طريقة متعبة جداً ومحرجة في بعض الأوقات ولاسيما للنساء.
بالوقت الذي يعتمد فيه عدد كبير من الشبان على الدراجات النارية كوسيلة مواصلات فردية وخاصة، والتي تنتشر بكثرة في الشمال السوري.
إذ يعيش في المنطقة حوالي أربعة ملايين نسمة، موزعين في المدن الرئيسية والبلدات والأرياف، وقسم كبير منهم يسكن في المخيمات قرب الحدود السورية التركية، يتنقلون بين أماكن عملهم وسكنهم، مهما بلغت الصعوبة والتكلفة في سبيل الحفاظ على فرصة العمل.