تعد أيام التشميس التي تلي الأيام الماطرة فرصة موسمية لظهور النباتات البرية، والتي تعرف باسم “الحويش” في الأراضي الزراعية والحراجية في مناطق الشمال السوري، إذ تحرص بعض النسوة المقيمة في تلك المناطق أو القريبة منها على الخروج بشكل شبه يومي لجمع وقطاف تلك الأصناف المتنوعة، وصنع وجبة غداء محببة لديهن، حسب قول من تحدثنا إليهن.
ولا يقتصر جني النباتات البرية من قبل النساء والأطفال أيضاً على تحضير وجبات الطعام بل هناك من يستغل هذه الفرصة الموسمية لجعله مصدر رزق ولو لفترة مؤقتة، حيث تجمع كميات وافرة من الخبيزة أو الحويش وتباع في المدن للتجار وأصحاب محلات بيع الخضار، مقابل مبلغ مالي بسيط، لكنه قد يكون جيد بالنسبة لهن.
تخبرنا “أم عباس” سيدة خمسينية نازحة من مدينة كفرنبل بريف إدلب الجنوبي، تقيم في أحد مخيمات منطقة “حارم” شمالي إدلب، أن جمع الحويش والخبيزة يعيدها إلى أيام كفرنبل قبل نزوحها، وتذكرها بخيرات أرضها، إذ كانت تجمع تلك النباتات الطازجة بشكل يومي، وتوزع منه إلى بناتها وأقاربها، تقول ” كانت أيام بركة وخير”.
تخرج “أم عباس” في هذه الأيام المشمسة، برفقة أحفادها الصغار، مصطحبة معها كيساً صغيراً تضع فيه النباتات التي جمعتها، كما أنها تخبر الفتيات الصغيرات بأسماء تلك النباتات، وكيفية التمييز بين النوع والآخر، تقول لمراسلتنا :”ألذ تلك الحشاش الخبيزة وهي طبق مشهور لدى العائلات، بفوائده الكثيرة، ومنذ بداية نمو تلك النباتات في الأراضي القريبة من مخيمنا يصبح طبق الحويش وجبة يومية على المائدة، ولا نمل منه أبدا”.
تكمل، أن هناك أنواع أخرى من الحويش تحمل أسماء غريبة يصعب على الأطفال حفظها والتمييز بينها، منها رجل العصفورة، والدردار، والشرينكة، والسلبين أو العكوب، والمخيترية، والهندباء، فضلاً عن أنواع أخرى تبدأ بالظهور من كانون الثاني وتستمر إلى أيام الربيع.
وعن طريقة تحضيرها تقول لنا :إن “طريقة طهي جميع نباتات الحويش متشابهة، بعد غسلها بشكل جيد من الأتربة، تقطع وتحمس على النار مع زيت الزيتون والبصل، وهناك من يفضل الثوم، وعند الاستواء يضاف لها الليمون، ويطبخ إلى جانبها طبقاً من البرغل أو الأرز”.
فيما تخلق بعض النسوة في المخيمات، من موسم النباتات البرية مصدر رزق لهن، ولاسيما بنات الخبيزة، التي تكثر في الأراضي البرية، وتفضلها عائلات كثيرة غير قادرة على جمعها من الحقول، بل تشتريها من الأسواق.
“أم حسان” مهجرة من الغوطة الشرقية بريف دمشق، تقيم في مخيم متطرف على مقربة من أرض زراعية في منطقة عقربات، تجمع منذ قرابة عشر أيام بنات الحويش والخبيزة وغيرها طيلة النهار، وتأخذها إلى السوق وتبيعها مقابل خمس ليرات للكيلو الواحد، تخبرنا أن الأهالي يفضلون هذه الأنواع من الحشاش، وتلاقي إقبالاً جيداً من أهالي الريف والمدن على حد سواء، فهي وجبة لذيذة وبسعر رخيص يناسب جميع الأسر الفقيرة، وبالمقابل فإنها تشتري بعض اللوازم البسيطة لمنزلها بثمنها.
ليست فقط تلك النباتات ما يتم جمعه وبيعه من البراري والحقول، بل إن هذه الأيام مناسبة لنمو أزهار النرجس الجميلة، ولاسيما في الأحراج الجبلية، إذ ينتشر عدد من الأطفال والصبية الصغار لالتقاط أزهار النرجس، وجمعها على هيئة حزم صغيرة، ثم يقفون على قارعة الطرقات العامة، لعرض أزهارهم البرية للبيع، كما حدث مع الشابة “صفاء” أثناء عودتها من حارم يوم أمس.
تقول لنا “لفتني يوم أمس منظر الأطفال متوزعين على الطرقات في منطقة حارم، حاملين بأيديهم الصغيرة حزم أزهار النرجس البرية، لعرضها على السيارات والمارة علّ أحدهم يشتريها،ما شجعني على شراء ثلاث باقات منها وأخذها معي إلى المنزل”.
عائلات كثر، تعد هذه الفترة الموسمية قبل قدوم الربيع، مناسبة للبحث عن وجبات مجانية لطهيها أو فرصة عمل مؤقتة تسد شيئاً بسيطا من احتياجات الأسر، كتأمين ثمن الخبز مثلاً حسب قول من التقيناهم من الأمهات.