بحقيبته السوداء، ودراجته الهوائية، يتجول “أبو آية” كما يعرفه الأهالي في عقربات وريف إدلب الشمالي، يقصد منازل زبائنه، في كل مكان ضمن المناطق القريبة منه، ليبدأ عمله في مهنة ترميم وتركيب الأسنان، والتي يتوارثها المعالجون “القرباط” من آبائهم وأجدادهم، منذ عشرات السنوات.
والقرباط كما هو متعارف عليهم في سوريا، هم مجموعة عشائر من “الغجر”، يمارسون مهنة تركيب الأسنان ومشهورين بذلك، كانوا قبل الثورة والنزوح يقيمون في باديتي حماه وحمص، ولكنهم اليوم يتوزعون في مختلف مناطق الشمال السوري، ويعمل القسم الأكبر من رجالهم في هذه المهنة، وتعد مصدر دخل لهم، لكسب لقمة عيشهم.
“أبو آية “و27 عام، واحد منهم، نازح مع عشيرته من حماه قبل عشر سنوات، تعلم مهنته من والده وجده، منذ كان في الرابعة عشر من عمره، ويملك حقيبة صغيرة فيها عدة العمل، يصحبها معه في تجواله اليومي عند الزبائن، يقول في حديث خاص لمراسلتنا، إن: “رخص أسعارهم، وإتقان عملهم جعل عدداً كبيراً من الأهالي يقبلون على تصليح أسنانهم عندهم، بسبب ارتفاع تكاليف العلاج في العيادات الخاصة وعند الأطباء”.
يخبرنا أن تلبيس ضرس واحد عنده يكلف ستة دولار فقط، أما عند طبيب الأسنان تتراوح التكلفة بين 10 إلى 15 دولار حسب نوعية “التلبيسة”، وإذا أراد المريض وضع جسر من أربع قطع فستكون التكلفة مرتفعة جداً اي مايقارب 50 _60 دولار أما هو فيمكنه تصنيع جسر بنفس الجودة وبـ 24 دولار فقط حسب قوله، مع كفالة لمدة ستة أشهر، مشيراً إلى أن التركيب قد ينتهي بجلسة واحدة بعكس طبيب الأسنان الذي يحتاج عدة جلسات لإنهاء عمله.
تختلف أنواع التلابيس المستعملة لدى المعالجين الجوالين، إذ منها مايكون من المعدن أو العظم، أو الفضة وقديماً من الذهب إلا أنه لم يعد موجوداً اليوم، أما تلبيس الخزف فهو غير متوفر أيضاً لأن سعره مرتفع ويحتاج مخبر ومعدات أخرى لصناعته، وهي غير متوفرة في المنزل لديه، كما يقوم بتصنيع تلك المواد على يديه ويصبح السن جاهز للتركيب في مدة زمنية قصيرة.
غير أن الضرس الذي يحتاج إلى سحب عصب لا يستطيع علاجه، و يقتصر عمله على القلع، وتركيب الجسور، وصنع الأطقم الكاملة من الأسنان، وتلبيس الأضراس، و الحشوات التجميلية كباقي المعالجين من القرباط.
يقول الطبيب ” محمد العبدالله” في حديثه إلينا، إن تصليح الأسنان عند المعالج الشعبي لا يخلُ من الأخطاء، قد راجعه بعض الحالات ممن تسبب عملهم في التهاب اللثة، بسبب استخدام أدوات غير معقمة، أو تلبيس السن فوراً دون حفر السن وعلاجه وسحب عصبه، ما يسبب ألم كبير للمرضى، ناهيك عن انتشار الأمراض المعدية كوباء كورونا والأمراض الأخرى التي تحتاج إلى مزيد من النظافة والعناية الشخصية.
بينما يقول “أبو آية” إن عملهم نظيف ومتقن بشهادة كثير من زبائنه، الذين يزدادون يوما بعد يوم، عن طريق الإشادة بعملهم من قبل من يخضع للعلاج عندهم فهو حسب وصفه لديه معارف وزبائن من جسر الشغور، وأريحا وحارم وإدلب وعقربات.
إذ أن ارتفاع تكاليف علاج الأسنان في عيادات الأطباء، وتدني مستوى المعيشة لدى كثير من الأهالي، جعل فكرة اللجوء إلى تركيب الأسنان عند المعالج تلاقي إقبالاً كبيراً من المرضى، إذ لاتتجاوز التكلفة ربع قيمة ما يدفعه المريض داخل العيادة، ويبرر الطيب “عبدالله” ارتفاع التكاليف بسبب ارتفاع أسعار المواد و المعدات الطبية، وكما تؤثر جودة المواد المستعملة على رفع سعر العلاج أيضاً.