استطاعت السيدة “خديجة إيبو” أن تحجز دوراً لها في مجال تمكين المرأة وتحدي الصورة النمطية لها في المجتمع، من خلال ممارستها مهنة تدريب السيدات على قيادة السيارة في المنطقة، بعد أن أصبحت المرأة في كثير من الأسر هي المعيلة الوحيدة لأطفالها وعائلتها، في ظل غياب الزوج أو الأب والأخ، ولم يعد اليوم مشهد قيادة المرأة للسيارة غريباً، كما كان في السابق، وفق عادات وتقاليد المجتمع، بل إن الحاجة المرأة للعمل، وخروجها إلى مناطق بعيدة دفعها لتعلم قيادة السيارة، وقضاء حوائجها بنفسها.
تمكنت السيدة الثلاثينية “خديجة” من سكان مدينة إدلب، أن تستغل خبرتها السابقة في قيادة السيارة، منذ كانت في حلب قبل التهجير، من خلق فرصة عمل لها، بتدريب عدد من النساء الراغبات بتعلم القيادة، واستطاعت منذ عام ونصف أن تدرب أكثر من 100 امرأة، بعد تشجيع من صديقاتها ومعارفها اللواتي يعرفن قدرتها في القيادة، من فتح دورات خاصة لتعليم النساء في المنطقة.
ليس هذا وحسب، السيدة “خديجة” تمارس مهنة تعليم اللغة الانجليزية منذ عشر سنوات، وتحاول اليوم التوفيق بين مهنتها الجديدة، وتعليم الطلاب، وأن تكون سيدة فاعلة في المجتمع، تساعد زوجها وأسرتها في متطلبات الحياة.
تقول السيدة “خديجة” في حديث خاص لمراسلتنا، إن “حبها لتدريب النساء دفعها إلى متابعة عملها، بعد مشاهدتها إقبالاً كبيراً من النساء لتعلم القيادة، وحاجتهن إلى ذلك بسبب بعد أماكن العمل، أو لتوصيل أطفالهن إلى المدراس، أو لقضاء حوائجهن في ظل غياب المعيل”.
وتابعت “إلى اليوم يتم التواصل معي عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي أو الجوال، لتدريب النساء، إذ تخضع المتدربة لدورة مكثفة مدتها ثماني جلسات، تتلقى فيها أهم مبادئ تعليم القيادة، وقوانين السير، تبدأ بالتدريب على الطرقات المتطرفة في محيط المدنية، ثم تنتقل إلى الطرقات الرئيسية داخل المدن، وبذلك تكون المتدربة قادرة بعد مدة كافية على القيادة لوحدها”.
انتشرت مدارس خاصة في العامين السابقين للتعليم والتدريب على قيادة السيارات في محافظة إدلب، وهناك عدد من السيدات احترفن القيادة، وأصبحن هن مدربات أمثال السيدة خديجة، وشكلت المهنة مصدر دخل لهن، في ظل الظروف الاقتصادية المتردية التي يعيشها الأهالي في الداخل السوري بشكل عام.
تخبرنا خديجة أنها واجهت نظرة المجتمع لها، ولاسيما في بداية قيادتها للسيارة قبل أعوام، بسبب قلة وجود نساء في المنطقة يقدن السيارة لوحدهن، ولكنها كانت أقوى من عادات وتقاليد المجتمع البالية التي تؤطر المرأة وفق قالب نمطي معين، فالمرأة اليوم التي عاشت ظروف الحرب القاسية، والتهجير والنزوح، وأصبحت الأم والأب لأطفالها، وعملت مثل الرجل في مختلف المهن لإعالة نفسها وأسرتها قادرة على الخوض في جميع المجالات ومنها القيادة، وهو حق طبيعي لها حسب قولها.
“وداد” 38 عام، موظفة وأم لثلاثة أطفال، فقدت زوجها في الحرب، تعمل موظفة في إحدى منظمات المجتمع المدني، ويبعد مكان عملها في سرمدا عن مكان إقامتها حوالي الساعة تقريبا، وكانت تعاني قبل تعلمها القيادة من صعوبة المواصلات، تقول في حديثها إلينا، إنها “خضعت لدورة منذ عامين وتعلمت القيادة، واستطاعت شراء سيارة خاصة بها، مكنتها من الذهاب بسهولة إلى عملها، تخبرنا أن قرارها اصطد بنظرة المجتمع لها ولغيرها من النساء اللواتي يقدن بمفردهن، إلا أنها أصرت على تحدي هذه النظرة، واستمرت في عملها واستقلاليتها” .
كثيرات هن النساء الفاعلات اليوم أمثال وداد، وخديجة، وغيرهن، اعتمدن على أنفسهن في حياتهن اليومية وتأمين متطلبات أسرهن دون الحاجة لأحد، كذلك دخلت المرأة في محافظة إدلب، في شتى المجالات، وأثبتت نجاحها قدرتها على العطاء والإنتاج والنجاح والتميز، رغم الصعوبات والتحديات التي واجهتها.