بعد حملة عسكرية عنيفة استمرت لشهرين، سيطر النظام السوري بدعم روسي على كامل الغوطة الشرقية، وهجّر معظم سكانها إلى الشمال السوري، في حين فضّل باقي السكان البقاء في منازلهم أو النزوح إلى مراكز الإيواء في مناطق النظام بريف دمشق، في وقت يزداد فيه التساؤل حول مصير من بقي في الغوطة أو ضمن مناطق النظام، وكيف تتعامل قوات النظام مع السكان وخاصةً شريحة الشباب؟
وشن النظام حملة عسكرية على الغوطة الشرقية في الثامن عشر من شباط الماضي، تمكن خلالها في البداية من السيطرة على بلدات المرج، ومن ثم التوغل في بلدات القطاع الأوسط وشطر الغوطة الى ثلاثة أقسام، وفرض اتفاقيات تهجير و”مصالحة”.
تعفيش واسع لمنازل حرستا
بدأت عمليات التهجير بخروج سكان حرستا على دفعتين تضم سبعة آلاف شخص بينهم عناصر من حركة أحرار الشام، وقال الناطق الرسمي باسم حركة أحرار الشام منذر فارس لـ SY24: إن “عدد المدنيين الذين بقوا في حرستا حوالي 12 ألف شخص، كما بقي عدد من عناصر أحرار الشام من المصابين والكبار في العمر، ونسبة صغيرة من الشباب الذين قد يقومون بتسوية وضعهم عند النظام”.
وأشار فارس إلى أن “المتواجدين داخل حرستا غير مسموح لهم بالخروج منها مع بعض الاستثناءات من خلال الرشاوى أو معرفة بعض الشبيحة”، موضحاً أن “القوات المتواجدة في حرستا، هي من عناصر الفرقة الرابعة وقوات سهيل الحسن، بينما ليس هناك أي وجود للروس في حرستا”.
وأضاف فارس أنه “في الفترة الأخيرة بدأ النظام يسمح لأهالي حرستا الذين يقيمون في دمشق بتفقد بيوتهم بعد تأكيد تعفيشها، وأن نسبة البيوت المعفشة في حرستا تجاوزت الــ 95%، كما تم اعتقال بعض الأشخاص بعد خروجهم من المدينة رغم خروجهم بواسطات من بعض أقربائهم في النظام”.
كذلك أوضح الناطق باسم أحرار الشام أن “التعفيش لم يقتصر على أخذ عفش البيوت فقط، بل سرق عناصر النظام كل شيء حتى البلاط والرخام والأسلاك الكهربائية، وبعد التعفيش يحاولون إحراق ما تبقى في تلك البيوت”، لافتاً أن “جماعات المصالحة الذين كانوا يسكنون دمشق والتل، كانوا شركاء فعليين لعصابات الأسد في التعفيش”.
معظم سكان القطاع الأوسط ممنوعون من العودة
وفي المقابل شهدت بلدات القطاع الأوسط عمليات تهجير واسعة، وقال الصحفي طارق الأحمد أحد مهجري زملكا لـ SY24: إن “عدد سكان القطاع الأوسط 220 ألف شخص، 100 ألف منهم خرجوا باتجاه مناطق النظام، و50 ألف هُجّروا نحو الشمال السوري، بينما بقي ما يقارب الـ 70 ألف شخص”.
وأوضح طارق أن “النظام هجّر جميع سكان البلدات التي سيطر عليها خلال العمليات العسكرية العنيفة ومنعهم من العودة، وتحديداً حمورية، جسرين، الأفتريس، المحمدية، بيت نايم، الأشعري، الشيفونية، والبلدات الأخرى التي سيطر عليها في المرج، كما اعتقل كل شخص بقي في الغوطة تابع لجيش الإسلام أو فيلق الرحمن أو هيئة تحرير الشام”.
وأضاف طارق “فيما يخص المناطق التي سيطر عليها النظام عبر المصالحات، وهي كفربطنا وسقبا، بالتعاون مع الشيخ بسام ضفدع وميليشياته، فسمح النظام لسكان البلدتين بالبقاء ضمنها، ويستطيعون التنقل ضمن الغوطة، كما أصبح أغلب شبانها لجان شعبية لدى النظام”.
وتابع قائلاً: أما “البلدات التي سيطر عليها النظام بعد خروج الفصائل منها، وهي جوبر، عربين، عين ترما، حزة، زملكا، ومديرا، فتم اعتقال قسم ممن بقي منهم حسب المعلومات التي يحصل عليها النظام من المخبرين، بينما ترك القسم الآخر ضمن منازلهم، فضلاً عن قيام النظام بنقل الأغنياء في تلك المناطق الى مراكز الايواء ريثما يقوم بتعفيش بيوتهم”.
وفي سياق متصل أوضح الناشط الإعلامي مالك الحرك لـ SY24، أن “سكان الغوطة الذين كانوا في دمشق أو مناطق أخرى، فإن النظام يسمح لهم بالدخول الى الغوطة كل جمعة لمدة ثلاث ساعات فقط، لتفقد منازلهم ومن ثم الخروج، بينما لا يُسمح لأي شخص بقي في الغوطة بالخروج الى دمشق”.
وأضاف مالك أن “النظام يحاول أن يكون بمظهر الأب الحنون والحريص على أملاك المواطنين، في وقت هو عاجز عن ضبط شبيحته وعناصره من السرقات والتعفيش والنهب، حتى أن هناك بعض أصحاب البيوت دفعوا نصف مليون للشبيحة، مقابل ألا تسرق بيوتهم، ولكن بعدما حصلوا على المبلغ أرسلوا شبيحة غيرهم ليسرقوها”.
النازحون في مراكز الإيواء يُوقعون على وثائق خطيرة
وفيما يخص من بقي ضمن مراكز الإيواء، أوضح الصحفي طارق أن “النظام أجبرهم على التوقيع على ثلاث وثائق مقابل السماح لهم بالعودة إلى بيوتهم، وتتضمن الوثيقة الأولى تعهدات بالالتزام بعدة أمور منها عدم التظاهر أو الإخلال بالأمن، والوثيقة الثانية التوقيع على عدم وجود هجوم كيميائي من قبل النظام، وأن جميع ما يُقال فبركات قام بها الدفاع المدني والكوادر الطبية بالتعاون مع الفصائل، أما الوثيقة الثالثة تتضمن معلومات عن الأنفاق ومن انتسب للفصائل ومن أقاربهم أو تعاون معهم”.
وأضاف طارق أنه “رغم توقيع السكان ضمن مراكز الإيواء على تلك الوثائق، إلا أن النظام لم يسمح لهم بالعودة إلى مناطقهم، ومن تمكن من العودة كان عبر دفع مبالغ كبيرة أو بالتعاون مع الشبيحة، بينما أبلغ النظام الشبان من عمر 18-40 ضمن مراكز الإيواء، بأنهم مطالبين بالخدمة الاحتياطية بعد ستة أشهر”.
غموض حول مصير سكان دوما
من جهة أخرى لا يزال الغموض يحيط بمصير سكان دوما، وأوضح الناشط مالك الحرك أن “دوما تضم حوالي 100 ألف شخص، هُجّر منها مع عناصر جيش الإسلام حوالي 30 ألف، وخرج 30 ألف آخرين إلى مراكز الإيواء، بينما بقي 40 ألفاً داخل دوما”.
وأضاف مالك أن “دوما باتت تحت السيطرة الروسية وأن عناصر النظام يتسللون اليها من أجل التعفيش وثم يخرجون”، موضحاً أن “الروس يسعون الى إخفاء آثار الكيماوي في دوما، وعلى الأغلب سيخرجون لاحقاُ ويدخل مكانهم عناصر النظام، عندها سيكون السكان والشبان في خطر”.