تتصدر الأحداث الدائرة في مدينة جنديرس بريف حلب واجهة الأحداث الميدانية الدائرة في الشمال السوري، بالتزامن مع دخول هيئة تحرير الشام على خط تلك الأحداث في المنطقة بغية اغتنام الفرص التي تتيح لها بسط سيطرتها على كامل الشمال السوري من بوابة مثل هكذا تطورات.
جاء ذلك على خلفية الأخبار المتداولة من مصادر متطابقة من أبناء المنطقة، والتي تفيد بمقتل 4 أشخاص من عائلة واحدة على يد أشخاص قيل أنهم يتبعون لفصيل “أحرار الشرقية”، أمس الإثنين، جراء إطلاق النار عليهم أثناء محاولتهم الاحتفال بـ “عيد النيروز” وهو عيد يحتفل به الأكراد بشكل خاص ويمثل ذكرى رمزية بالنسبة لهم، ما أدى لوقوع قتلى وإصابة آخرين، الأمر الذي أثار غضباً واسعاً بين سكان المنطقة.
وعلى الفور سارعت هيئة تحرير الشام للدخول على خط الأحداث الميدانية، مستغلة حالة الاحتجاج الأهلية ضد الفصائل المسيطرة على المنطقة بعد حادثة القتل التي وقعت، بهدف إثبات حضورها وفرض سيطرتها، حسب المصادر الأهلية.
ووفقاً لتلك المصادر فإن مدينة جنديرس تشهد احتجاجات عارمة زاد صداها أثناء عملية تشييع القتلى إلى مثواهم الأخير، لتكون المطالب بإنهاء الحالة الفصائلية في المنطقة إضافة للتنديد بجريمة القتل التي حصلت.
ووفقاً لما تم تداوله من آراء متباينة بعضها أشار إلى أن هيئة تحرير الشام حركت قواتها باتجاه المدينة لتكون النتيجة انتشار لعناصرها وسيطرتهم على بعض المقرات هناك (الشرطة العسكرية والمجلس المحلي)، حسب مصادر من الشمال السوري، في حين كانت بعض المصادر الأخرى تتخوف من نقل أي خبر نظراً لخطورة وحساسية ما يجري.
وبررت بعض المصادر من أبناء المنطقة دخول الهيئة على خط الأحداث الدائرة، بأنه “لمنع أي اقتتال بين العرب والكرد هناك”، مشيرين إلى أن من دخل قوات أمنية وليست عسكرية وحلّت في مناطق فيها مقرات للفصائل الثورية هناك، وهذا يدل على أن الأمر هو تدبير أمني والله أعلم لأنها لم تواجه أحد أو أحد منعها من ذلك، حسب تعبيره.
مصادر أخرى من المنطقة ذكرت أن العنوان الأبرز لما يجري من تطورات هو أن “كل جماعة تريد استغلال الوضع لضرب الجماعات الأخرى”، في إشارة للمخطط الذي تسعى إليه الهيئة (أمنياً) في مناطق الشمال السوري، وفق وجهة نظرهم.
بعض المهتمين بملف الشمال السوري، حذّروا من تبعات ما يجري ومن تحرك الهيئة عاجلاً أم آجلاً صوب منطقة عفرين ككل، خاصة وأن تلك الأحداث تعيد للذاكرة ما جرى قبل أشهر من هجوم لقوات الهيئة على مقرات للجيش الوطني في عفرين، وربما يتكرر السيناريو اليوم وتكون فرصة أمامها لدخول المنطقة وبسط نفوذها بشكل نهائي وبحجة توفير الحماية للأهالي من خطر أشخاص يتهم أنهم يتبعون للفصائل، وفق وجهة نظرهم أيضاً.
ومؤخراً، أوضح مصدر من الشمال السوري لمنصة SY24، أن “سيطرة الهيئة على عفرين تأتي ضمن خطتها الاستراتيجية للسيطرة على المناطق المحررة والتي لا تخضع لسيطرتها”.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2022، خرج أبناء عفرين بمظاهرات حاشدة طالبت بخروج الهيئة من المنطقة، وسط حالة توتر في المدينة واستنفار حصل من جانب “تحرير الشام وأحرار الشام”.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2022، أفاد ناشطون من المنطقة بتمكن هيئة تحرير الشام من دخول مدينة عفرين والتي كانت خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة (الفيلق الثالث أحد تشكيلات الجيش الوطني السوري) دون أي مواجهات واشتباكات معهم.
وحسب المصادر، فإن الهيئة تمكّنت من السيطرة على بلدة جنديرس جنوبي مدينة عفرين، قبل أن تقترب أرتالها من مركز مدينة عفرين، بعد استغلالها الاقتتال الداخلي الذي دار بين بعض الفصائل في مدينة الباب وما حولها وامتد لمناطق أخرى في الشمال السوري.
وسبق تلك الاشتباكات توتر أمني غير مسبوق شهدته مدينة الباب شرقي حلب، والتي كان عنوانه الأبرز جريمة اغتيال راح ضحيتها أحد النشطاء الإعلاميين البارزين في المدينة ويدعى “محمد أبو غنوم” مع زوجته وجنينها، بعد أن أقدم مسلحون مجهولون على استهدافه أواخر العام الماضي.
ورأى مراقبون أن بعض الفصائل العسكرية العاملة على الأرض استغلت هذه الجريمة، لتكون الشرارة الأولى وراء اندلاع الاقتتال الداخلي، حسب تعبيرهم.
وقال ناشط ميداني من أبناء بلدة أطمة لمنصة SY24، إن “الهيئة تبحث عن استثمار الذرائع بدلالة الحضور العفوي الذي شارك به زعيم هيئة تحرير الشام في بلدة أطمة وتغيير الخطاب الذي وصف به أعداء الماضي بالملاحدة والكفار إلى المستضعفين، وبالتالي هو يبحث عن إرضاء الغرب من خلال تغيير خطابه وذلك للهيمنة على المنطقة هذا على الإطار الاستراتيجي في استثمار الأزمة”.
وأكد أن “ما حصل في مدينة جنديرس جريمة يستدعي معاقبة الجناة وفي أسرع وقت، نظرا للتداعيات الدولية في المرحلة القادمة”.
يشار إلى أن كامل الشمال السوري عموما ومنطقة جنديرس خصوصا تعتبر مناطق منكوبة، عقب كارثة الزلزال الذي وقع في 6 شباط/فبراير الماضي جنوب تركيا ووصلت آثاره المدمرة إلى الداخل السوري.