يحاول السوريون التمسك ما أمكنهم بعادات وطقوس رمضان قبل اندثارها، في ظل الظروف المعيشية المتردية، والتضخم الاقتصادي، وتدني مستوى الدخل لشريحة كبيرة منهم في جميع المحافظات السورية.
إذ تغيرت الطقوس الرمضانية المتوارثة لدى الأهالي بشكل واضح، بعدما أصبح تأمين لقمة العيش من أبرز تحديات الأسرة، وسط ارتفاع جنوني بأسعار المواد الغذائية والخضروات واللحوم والأصناف الأخرى.
وسط هذه التحديات، تبقى سكبة رمضان تتأرجح بين الحفاظ عليها، والتخلي عنها لدى عدد كبير من العوائل، تقول “سمية” ربة منزل، مهجرة من ريف دمشق، مقيمة في مخيمات الشمال السوري، إنها تشعر بجو رمضان عندما ترسل سكبة لجيرانها، ولو كان من أبسط الأصناف، إذ أن السكبة دلالة على نشر المحبة والألفة بين الجيران، وليست وسيلة للتفاخر بصنع الطعام أو مكوناته، على (مبدأ جود بالموجود) حسب تعبيرها.
إذ تعرف “سكبة رمضان” بأنها طبق من الطعام يتم توزيعه على من حوله، من أهل أو جيران مقربين وهي عادة رمضانية قديمة متوارثة بين السوريين، تنشط في شهر الصوم، الذي يحظى باهتمام في توزيع الطعام كنوع من العبادات والصدقات أكثر من باقي الشهور، ويتشارك الغني مع الفقير في طعامه، بهدف زيادة الألفة والمحبة فيما بينهم.
تخبرنا “سمية” أنها “منذ تهجيرها قبل سبع سنوات، تحافظ في كل موسم رمضاني على عادة (السكبة الرمضانية) فهي من أفضل العادات الشعبية المستمرة إلى اليوم، رغم الظروف المعيشية الصعبة، التي أثرت عليها، ولكنها لم تنهيها، بل مازالت حاضرة بين الأهل والجيران”.
كما تتميز سكبة رمضان في مدن وبلدات الشمال السوري أنها تقوي أواصر المحبة والألفة بين الجيران، وتحظى بخصوصية معينة نتيجة التنوع السكاني الموجود في محافظة إدلب، بعدما شبهها الأهالي بأنها سوريا المصغرة، إذ يحدث هذا المزيج من التفاعل بين أبناء المحافظات المختلفة التي هجروا منها، تنوعاً إضافياً في تبادل الخبرات حول أصناف الطعام التي تتميز بها كل منطقة عن الأخرى، وبالتالي تصبح فرصة للتعرف عن قرب على الأكلات التي تشتهر بها كل منطقة وهذا ما حدثتنا عنه “أم عماد ” نازحة من مدينة كفرنبل في ريف إدلب الجنوبي.
تقول لنا “قبيل اقتراب موعد الإفطار، اكون قد ملئت سكبتين لجاراتي في ذات الحي، وأحرص أن أزيد من كمية الطعام، لكي يتسنى لي توزيع قدر منها على باقي الجيران، وبنفس الوقت تعود الصحون من عندهم مليئة بأصناف أخرى، وتصبح مائدتي ملونة بمختلف الأطعمة التي أرسلتها لي جاراتي فمن طقوس السكبة أن لا يعود الصحن فارغ، ولو من أبسط أنواع الطعام وقد تعرفت على أطباق جديدة من جارتيّ الحمصية والشامية”.
يعيش الأهالي اليوم في الشمال السوري، ظروفاً اقتصادية قاهرة، يتحايلون على واقعهم الصعب بالحفاظ على طقوس قديمة، لها ذكريات في مخيلتهم، تدفعهم للحفاظ عليها وممارستها رغم حياة البؤس والنزوح والتهجير، لدلالة على إبقاء الخير بين الناس، في أبسط الأمور كصحن طعام يدخل المنزل فيجبر الخاطر.