تزين المشروبات الرمضانية موائد إفطار السوريين في شهر الصيام، وتعد أحد الطقوس التي لا يمكن الاستغناء عنها، لما لها من فوائد كبيرة، في تخفيف عطش الصائمين، ولعل أبرز المشروبات الرمضانية الأكثر شهرة، هي العرقسوس، و مشروب التمر الهندي، وقمر الدين، والجلاب، وجميعها مشروبات باردة حلوة المذاق، ولها حضور واضح على الموائد الرمضانية، وفي الأسواق.
ينتظر “أبو أحمد” الشامي، كما عرّفنا عن نفسه، موسم رمضان ككل عام، والذي يخلق فرصة عمل له ولمئات الأشخاص، من خلال تحضير وبيع المشروبات الرمضانية، وهي فترة عمل مؤقتة تبدأ في شهر رمضان وتنتهي آخره، وقد تمتد إلى أشهر الصيف، إلا أن وجودها بعد ذلك يقتصر على عدد محدود من الباعة.
يقول في حديثه إلينا: إنه يشتري كميات كبيرة من المواد الأساسية لصنع المشروبات الرمضانية، ويعتمد على أعشاب العرقسوس، والتمر الهندي أكثر من باقي الأصناف كونها تلقى رواجاً شعبياً بين الأهالي.
إذ يحضر “أبو أحمد” بضاعته كل ليلة، فهي تحتاج إلى وقت وتحضير مسبق، وخبرة في الصنع للحصول على مذاق رائع، يميزه عن باقي الباعة في الأسواق، فهو يصنع مشروباته بكل تروي وإتقان حسب ما أخبرنا.
يقول إن “شراب العرق سوس هو سيد المشروبات الرمضانية، التي يقبل عليها الصائمون في رمضان، لما له من فوائده الكبيرة، ويتفرد عن باقي المشروبات بطعمه المميز، وله شريحة خاصة من الذواقين الذين يحبونه ويقبلون على شرائه أو تحضيره يدوياً في المنزل”.
يضحك وهو يخبرنا أيضاً أن له أعداء وكارهين، وهم من محبي المشروبات الأخرى كالتمر الهندي أو الجلاب أو قمر الدين، ويحاولون المضاربة عليه وتشويه سمعته، إلا أنه حاضر وبقوة على موائد السوريين.
يستخرج الشراب من جذور نبتة العرقسوس، وهو شراب مرطب ذو فوائد كثيرة، فهو يعمل على تنظيم ضغط الدم، ويخلص المعدة من الحموضة، فضلاً عن أنه مهدئ للمعدة ويساعد في علاج مشاكل الجهاز التنفسي، وعلاج آلام الكلى، و السعال، وحرقة المعدة، حسب دراسات طبية عديدة.
في أكياس صغيرة، وبسعة لتر واحد تقريباً، يملأ “أبو أحمد” مشروباته المتنوعة، ويفردها على بسطة صغيرة، في سوق بلدة كفر لوسين شمال إدلب، وينادي بأعلى صوته على المارة للترويج لها، يبيع كل نوع بسعر مختلف حسب التكلفة تتراوح بشكل عام بين 5_10 ليرات تركية، وهناك اختلاف في الأسعار عن العام الماضي، بسبب ارتفاع الأسعار بشكل عام، كما أن مشروب التمر الهندي يحتاج إلى كمية من السكر وماء الزهر، لذا فإن سعره يرتفع قليلاً عن باقي الأصناف.
إذ يعد صنع وتحضير المشروبات الرمضانية مهنة قديمة متوارثة في كثير من الأحيان، وهي مصدراً رزق لعدد كبير من الباعة، ولها خصوصية فردية كونها تتعلق بتراث قديم، ويحاول صانعوها الحفاظ عليها إلى حد الآن، كما ينتشر عدد من بائعي السوس والتمر الهندي في أسواق المدن الكبيرة، وهم يرتدون لباساً تقليدياً مزركشاً خاصاً بهم، ويحملون على ظهورهم “مصب” نحاسي كبير الحجم، تعلو أصواتهم بالأغاني الشعبية الخاصة المشروبات، والتي تجذب الزبائن إليهم، كواحد من طقوس بيع تلك المشروبات في الأسواق.
بينما تفضل بعض العائلات تحضير تلك المشروبات في المنزل، وتتفنن السيدات بطريقة صنعها وتحضيرها على موائدهن، وعن طريقة تحضيرها تقول “نجاح العيد” مهجرة من غوطة دمشق، مقيمة في مدينة إدلب، إنها تحضر يومياً ثلاث أصناف من المشروبات، لا تحلُ سفرة رمضان دونهم.
تبدأ بتحضير مشروب “قمر الدين” لما له من أهمية لدى أبناء الغوطة، الذين اشتهروا بصنعه منذ القدم، وكانت تكثر فيها المعامل الخاصة بتصنيعه، ويتم تصدير كميات كبيرة منه إلى الخارج، نظراً لوجود مساحات كبيرة من أشجار المشمش في الغوطة.
تستذكر “نجاح” أيام وجودها قبل التهجير في منزلها، وكيف كانت تصنع مشروب قمر الدين، بنقعه في الماء الساخن، وتنقيته من البذور ثم تصفيته بشكل جيد وتركه حتى يبرد، وبنفس الطريقة تحضير مشروب التمر الهندي.
يحاول السوريون اليوم التمسك بطقوس رمضان في أماكن نزوحهم وتهجرهم ما استطاعوا ذلك، يحملون معها ذكرياتهم الخاصة بها، حين كانت الأسر تجتمع على مائدة الإفطار، بصغيرها وكبيرها، وتزين موائدهم مختلف الأصناف الأطباق والمشروبات الرمضانية.