“لقمة مغمسة بالدم” هكذا يصف الشاب “جهاد” 33 عاماً، عمله كسائق تركس بأحد المقالع الحجرية في مدينة إدلب، بعد خمس سنوات من التزامه بالعمل فيها، عقب نزوحه من ريف دمشق قبل سنوات.
يعمل “جهاد” مع 13 شخص آخرين في أحد المقالع الحجرية ضمن مدينة إدلب، من بينهم سائقي الآليات الكبيرة، كـ (التركس، والحفارة، البلدوزر)، وسيارات نقل الأحجار ومواد البناء كالرمل والحصى، وعمال آخرين يتولون مهمات أخرى تشترك جميعها بدرجة الخطورة، والعمل الشاق.
يعد الشاب “جهاد” أن أي أجر يتلقاه عمال المقالع الحجرية هو قليل جداً، بسبب تعرض حياتهم إلى خطر الموت، وسبق أن خسر المقلع الذي يعمل به سبعة أشخاص كانوا يعملون به، وسط ظروف مختلفة.
إذ يتلقى العمال أجرة يومية تصل إلى عشر دولارات، أي مايعادل 200 ليرة تركية، وهو مبلغ زهيد مقابل الجهد والوقت الطويل الذي يقضيه العمال في عملهم حسب تعبيره، غير أن قلة فرص العمل، وتدني مستوى المعيشة أجبر كثير منهم على التمسك بعمله مقابل تأمين لقمة العيش لعائلته.
يمسك “جهاد” بيده، يشير إلى سيخ المعدن الموجود في عظمة ذراعه، بعد تعرضه إلى حادثة سقوط في المقلع العام الماضي، وقد تسببت له تلك الحادثة بكسور في أطرافه العلوية، عانى على إثرها من ألم شديد وبقي طريح الفراش عدة أشهر إلى أن تماثل للشفاء، ومع ذلك عاد مجدداً للعمل في المقلع ولكن كحارس هذه المرة وليس سائق تركس، بسبب الكسور التي في يديه.
يقول :”لا يمكنني إيجاد عمل بسهولة، لذا تمسكت بأي فرصة داخل المقلع، وتنقلت خلال السنوات الخمس بين عامل رفع ونقل الأحجار، وبين سائق للآليات الكبيرة، وبين حارس وناطور ليلي، كي لا أبقَ دون عمل.
نجا “جهاد” من موت محقق عقب سقوطه من أعلى المرتفع مكان عمله، فيما مات عدد كبير من العمال بظروف مختلفة أثناء عملهم، يخبرنا أنه شهد سبع حالات وفاة منذ عمله، منهم من سحبته آلة الطحن وتوفي داخلها، ومنهم من وقع عليه حجر كبير، ومنهم من دهس تحت عجلات الآليات الثقيلة، ناهيك عن حالات الموت بالمتفجرات المخصصة لتفتيت الصخور نتيجة الاستخدام الخاطئ أو التخزين الطويل في مستودعات المقالع الحجرية.
يقول: لنا إن “أصحاب المقلع تكفلوا بعلاجه، من باب الناحية الأخلاقية، في حين أن هناك كثير من العمال لم يحصلوا على حقوقهم في حال إصابة العمل، إذ لا إلزام قانوني يطالب أصحاب العمل بتعويض العمال في حالات الإصابة” .
للإطلاع على الناحية القانونية فيما يخص العمال، تواصلت منصة SY24 مع المحامي والمسؤول القانوني “محمد العلي” الذي أخبرنا بعدم وجود أي جهة قانونية أو إدارية أو رقابية من الحكومة تتولى شؤون العمال في إدلب، في حين كانت نقابة العمال والشؤون الإدارية والعمل سابقاً تتوليان ضبط حقوق العمال وتحديد العلاقة بين العامل وصاحب العمل.
وأكد على ضرورة وجود قانون يضبط ذلك، ويحدد ساعات العمل، والإجازات، التعويضات والتأمين الصحي، إلا أن الأمر على أرض الواقع حاليا هو عشوائي لا يخضع لأي سلطة إلزامية.
وذكر أن المحاكم الموجودة قد تتولى مهمة الفصل بين الطرفين إذا حدثت مشكلة، وتقدم العامل بشكوى تجاه صاحب العمل في حال عدم إعطائه أجرته مع وجود شهود على القضية، وبناء على الأدلة يتم الحكم للعامل ويلزم صاحب العمل بدفع الأجرة.
وقبل عامين، أودى انفجار وقع داخل أحد مقالع الحجر قرب مدينة إدلب شمال غرب سوريا، بحياة 4 عمال مدنيين، منهم من هم في العقد الثالث والرابع والخامس، إذ وصلوا إلى مركز الطب الشرعي في إدلب، بعد وقوع انفجار داخل مقلع، عندما كانوا موجودين لحظة الانفجار داخل غرفة تحوي مواد متفجرة.
وتسببت الحاجة الملحة لمواد البناء وغلاء أسعارها في المدينة، بزيادة أعداد هذه المقالع، التي تعتمد في عملها على مبدأ تفتيت الحجارة المُستخرجة من الجبال وتحويلها إلى مواد بناء، بحسب أصحاب مقالع، ومنذ عدة سنوات تنتشر المقالع الحجرية في مناطق عدة من إدلب وشمالي غرب سوريا.
حيث تنتشر عشرات المقالع الحجرية في مناطق الشمال السوري، يقول صاحب أحد المقالع إنها تكثر من شمال إدلب، ويصل عددها إلى أكثر من خمسين مقلع، ففي منطقة دير حسان لوحدها يوجد فيها 25 مقلع، إضافة إلى مناطق كفر لوسين، وأطمة، وسرمدا، وأرمناز، وكفر تخاريم، وحارم.
إذ يعتمد عدد كبير من العمال على العمل فيها لتأمين مصدر رزق رغم المخاطر التي تواجههم فيها لا سيما خلال عمليات تفجير وتقطيع الصخور وفقاً لما تتطلبه المهنة الشاقة.
وفي وقت سابق سلطت منصة SY24 الضوء في تقرير سابق، على مشاكل المقالع الحجرية المنتشرة بين المخيمات العشوائية في ريف إدلب الشمالي، لم يجد لها القائمون على المنطقة حلا حتى الآن، إذ أن الانفجارات التي تحدث داخل المقالع، تسبب غبار كثيف يؤدي لإصابة الأطفال وكبار السن بضيق تنفس، إضافة إلى حالة الرعب التي يعيشها سكان الخيام جراء الأصوات القوية.