فرضت الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة، وتدني مستوى الدخل، وارتفاع الأسعار بشكل عام، واقعاً جديداً من نمط الحياة على كثير من الأهالي في مناطق الشمال السوري، وبات التحايل على تلك الظروف بما فيها الغلاء وارتفاع الأسعار إحدى أبرز طرق التكيف مع الواقع، لتأمين مستلزمات المنزل، ولاسيما أن معظم القاطنين في محافظة إدلب وريفها من النازحين والمهجرين، الذين نجوا بأرواحهم وتركوا منازلهم وممتلكاتهم في مدنهم الأصلية بسبب القصف.
ازدهرت في السنوات القليلة الماضية، تجارة الأدوات والسلع المستعملة، وانتشرت عدة محلات تجارية مخصصة لعرض القطع والأدوات في أسواق المدن والأرياف، إضافة إلى الترويج لها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، والتطبيقات الإلكترونية.
يخبرنا “أسامة الحلبي” كما عرف عن نفسه، وهو تاجر وصاحب محل أدوات كهربائية في إدلب، بأن الأهالي باتوا يقصدون القطع المستعملة أكثر من الجديدة، وذلك لسببين:الأول أن معظم الأدوات وخاصة الكهربائية هي من ماركات جيدة و مشهورة بجودتها، ولم تعد موجودة كالسابق بأسعار تناسب جميع الشرائح، مثل أفران الغاز، والغسالات، والمكانس الكهربائية، والخلاطات والبرادات، وغيرها من الأدوات التي كانت موجودة في معظم المنازل قبل النزوح والتهجير.
والسبب الثاني، هو رخص أسعار الأدوات المستعملة، والتي تصل إلى نصف سعر الجديد، وبالتالي تتجه أغلب العائلات في تأمين مستلزمات منازلها إلى أسواق المستعمل ولاسيما الأسر ذات الدخل المحدود.
إذ استطاعت “أم عبد الرحمن”، 36 عاماً، مهجرة من ريف دمشق أن تشتري غسالة نوع حوضين، مستعملة، وفرن غاز، وبراد من أحد محلات المستعمل في مدينة حارم، بعد أن لفتتها صورة بعض الأدوات المنشورة في إحدى غرف البيع والشراء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مع إمكانية توصيل الأدوات إلى المنزل.
تقول السيدة في حديثها مع مراسلتنا في إدلب، إنها منذ تركت أثاثها في منزلها بريف دمشق، لم تتمكن من شراء ولا قطعة جديدة بسبب ارتفاع الأسعار، واتجهت مؤخراً إلى سوق المستعمل لشراء ما يلزمها، بنصف الثمن، حيث حصلت على غسالة بسعر 50 دولار، وفرن غاز مستعمل بـ 110 دولار، وخلاط كهربائي بـ 8 دولار، في حين كانت تحتاج لضعف هذه المبالغ لشراء تلك الأدوات.
لا تنكر “أم عبد الرحمن” أن الأدوات الجديدة أفضل من المستعمل، ولها بهجة أكبر حسب قولها، ولكن ظروفها المادية الصعبة أجبرتها على شراء الأدوات المستعملة، مع حرصها على نظافة تلك القطع وكفالتها من صاحب المحل إلى حين التأكد منها.
بالعودة إلى “أبو نزار” صاحب أحد محلات بيع الأدوات المستعملة في سرمدا شمال إدلب، قال في حديثه مع SY24: إن “معظم تلك الأدوات والسلع يتم شرائها من أصحابها في المنطقة، ذلك لدواعي السفر أو الفقر أو لشراء قطع جديدة أفضل منها، وهنا يأتي دور التاجر الذي يتمكن من شراء تلك الأدوات بسعر يناسبه ومن ثم عرضها للبيع، محققاً ربحاً بسيطاً، كون معظم الأدوات المستعملة ارخص بكثير من الأدوات الجديدة”.
يتعمد الرجل الخمسيني “أبو نزار” في تجارته على التسويق الإلكتروني، حيث يصور القطع ويعرضها للبيع مع ذكر مواصفاتها وسعرها وعنوان المحل، وبذلك يضمن ترويجاً أسرع وأكبر لتجارته، مؤكداً أن أسواق ومحلات الأدوات المستعملة تلقى حركة جيدة هذه الأيام، ولها زبائنها.
يذكر أنه يعيش في شمال غربي سوريا حوالي أربعة ملايين نسمة معظمهم من النازحين والمهجرين، الذين بدؤوا حياتهم من الصفر، اعتمدوا على أقل الطرق تكلفة لتأمين مستلزماتهم المعيشية، وأدوات منازلهم، في ظل الظروف الاقتصادية المتردية في المنطقة.