لا يميز عامل المياومة “صبحي” 23 عاماً، بين الواحد من شهر أيار الجاري وبين باقي أيام الأشهر، كونه مناسبة عالمية لعيد العمال، تخصه دول عدة بعطلة رسمية تقديراً وتكريماً للعمال والطبقة الكادحة، غير أن الوضع في الداخل السوري يختلف كثيراً عن باقي الدول، إذ يعيش معظم العمال ظروفاً قاهرة، من أجل توفير لقمة العيش لعوائلهم.
إذ يعمل الشاب “صبحي” أكثر من ثماني ساعات يومياً في ورشة بناء، ويتشارك المهمة مع عدد آخر من الشبان، مقابل أجور زهيدة ومتفاوتة حسب نوع المهمة، ولكنها بالمجمل حسب قوله تقل عن خمسة دولار يومياً، وهو مبلغ قليل مقارنة بالغلاء وارتفاع الأسعار.
تعد مسألة تحديد الأجور من أبرز المشاكل الأساسية التي يعاني منها العمال فالأمر متروك إلى تقدير صاحب العمل وسط كثرة اليد العاملة، وقلة فرص العمل التي تهدد العامل بطرده من عمله في اي وقت في حال طالب أجرة أعلى من أجرته.
كما لا يحظى العامل بحقوقه مثل التأمين الصحي، والإجازات، وأيام العطل الرسمية، وتحديد ساعات العمل، وغيرها، وتفتقد معظم المناطق إلى نقابات عمالية، تحفظ تلك الحقوق، وإن وجدت فهي ليست لصالح العمال كما أكد عدد من العمال تحدثنا إليهم.
يقول “عمار” عامل في ورشة صيانة للأدوات الكهربائية في ريف دمشق، إن عمله بالكاد يكفيه مصروف عدة أيام، وأجرة المنزل، وفواتير الكهرباء، في حين يقضي باقي الشهر معتمداً على الديون، وأحيانا يعمل في أحد المطاعم لساعات متأخرة من الليل لتوفير مبلغ إضافي يعينه على مصروف عائلته.
يفتح عيد العمال هذا العام إشكاليات عدة، في ظل تدهور اقتصادي غير مسبوق، ما جعل حقوق العمال شبه غائبة في الداخل السوري، مع ممارستهم أعمال شاقة وربما خطيرة، دون وجود أدنى معايير السلامة والأمان للحفاظ على حياتهم.
ويقصد العمال مهن مختلفة فمنهم من يعمل في المطاعم والأفران، ومحطات الوقود وغسيل السيارات، وبعضهم يذهب إلى المناطق الصناعية للعمل في تصليح وصيانة السيارات، وكثير منهم يعمل في ورشات البناء، وتتفق جميع تلك المهن بضياع حقوق العمال وتدني أجورهم، واستغلالهم بشكل واضح من قبل أصحاب العمل.
في مناطق الشمال السوري تحديداً محافظة إدلب وريفها، يعيش العمال ظروفاً معيشية صعبة، في ظل تدني أجورهم ولاسيما عمال المياومة وأصحاب المهن الشاقة، التي لا تتناسب أجورها مع ارتفاع الأسعار وموجة الغلاء التي تشهدها المنطقة، وحسب ما رصدته منصة SY24 فإن أجرة العامل لاتتجاوز خمسين ليرة تركية أي ما يعادل أقل من ثلاث دولارات يومياً، وهي غير كافية لشراء وجبة طعام لعائلة من خمسة أشخاص.
وتتسع الفجوة بين مستوى الدخل المتدني، وبين أسعار السلع والمواد الأساسية التي تضاعفت أسعارها عن العام الماضي بشكل ملحوظ، بسبب تدني سعر صرف الليرة التركية، إذ بات عدد كبير من هؤلاء العمال يحصلون على نفس الأجرة، رغم الارتفاع الحاصل في جميع الأسعار بدءاً من المواد الغذائية وأسعار الوقود والمواصلات وأجرة المنزل وأسعار الكهرباء والنت، وباقي المقومات الأخرى الضرورية للحياة.
وفي وقت سابق قدر فريق “منسقو استجابة سورية” نسبة العاطلين عن العمل في مناطق شمال غربي سورية بلغت 89 في المائة، ولاسيما في منطقة عانت من الحرب والقصف وتدمير البنى التحتية، وتعتمد على المساعدات الإنسانية، كما أنها تفتقر إلى المشاريع التجارية الكبيرة والمعامل والمصانع التي تستقطب عدداً من العمال، وبالتالي ساهمت كل تلك الظروف في تردي الواقع المعيشي للمواطنين.