نشرت صحيفة الشرق الأوسط بعددها الصادر في 22/4/2018 ما كتبه “علي بردى” من نيويورك، وتحدث فيه عن خلوة جمعت أعضاء مجلس الأمن الدائمين في جنوب السويد. ولأهمية ما نشرته الشرق الأوسط سنناقش هذه الخلوة الدولية وإمكانية حصول تقاطعات حقيقية تؤدي إلى مخارج للصراع الجاري في سورية وعليها.
بالعودة إلى الخلافات القائمة بين الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن عمل الروس بجهد كبير على منع إصدار قرارات دولية متعددة كانت تتقصد محاسبة النظام الأسدي على شنّه هجمات كيماوية ضدّ المدنيين في بعض المناطق السورية، كان آخرها الهجوم على دوما في الغوطة الشرقية لدمشق.
هذا المنع الروسي لتنفيذ القانون الدولي وضع العلاقات الدولية على مفترق طرقٍ خطيرة يؤدي إلى إمكانية تعطّل جهود المنظمة الدولية، الأمر الذي استلزم اجتماع الولايات المتحدة الأمريكية مع كل من بريطانيا وفرنسا من أجل القيام بضربات صاروخية ضد مواقع النظام الأسدي بتاريخ 14/4/2018.
هذه الضربات نالت من مواقع تحضير وتصنيع السلاح الكيماوي، ونالت من المطارات التي انطلقت منها الطائرات المستخدمة في هذه الهجمات، كما أن الضربات فتحت أبواب الدبلوماسية الخلفية وقنوات التواصل بين الغرب وروسيا من أجل إيجاد دينامية بنّاءة في مجلس الأمن تقود إلى آلية جادة لمحاسبة مستخدمي السلاح الكيماوي، وعدم إفلاتهم من العقاب سواءً في سورية أو في أي مكان آخر من العالم.
وقد جاء في بيانٍ صادرٍ بعد اجتماعٍ ضمّ أعضاء مجلس الأمن مع الأمين العام للأمم المتحدة السيد غوتيريش ومع السيد ستيفان ديميستورا الراعي الدولي لمفاوضات جنيف الخاصة بالصراع في سورية.
“اتفقنا على أن الوقت حان من أجل إحياء الحوار وتعزيزه وإيجاد دينامية بناءة في مجلس الأمن” معتبراً أن ما حصل خلال الاجتماع خطوة في ذلك الاتجاه، وجاء في كلام مبعوث دولة السويد الدائم إلى الأمم المتحدة السيد “أولوف سكوغ”: “هناك اتفاق على العودة بشكل جدي إلى الحل السياسي في إطار عملية جنيف التابعة للأمم المتحدة”.
إن اجتماع ممثلي الدول الدائمة في مجلس الأمن الدولي في خلوة بمكان بعيد عن مقرّ الأمم المتحدة يوحي بوجود نيّة حقيقية لإيجاد توافق أو مخرج للمأزق السياسي الذي تمرّ به عملية الصراع في سورية وعليها، فالغرب يريد من روسيا تقديم استحقاقات ملموسة حيال استخدام النظام الأسدي للأسلحة الكيماوية تشمل رفع الحصانة الروسية عنه وهذا يتطلب تشكيل آلية تحقيق دولية مستقلة تترافق مع عمل فرق التفتيش الدولية في المواقع التي تعرضت للضربات الكيماوية.
الروس لن يذهبوا إلى مرحلة القطع مع إيجاد حلٍ سياسي دولي لهذا الصراع الفظيع، فتكاليف استمرار الصراع يعني مزيداً من النزف الاقتصادي والعسكري الروسي وغير الروسي في سورية، ويعني إذا ما ذهب الصراع إلى نهاياته فإن خسارة روسيا لمصالحها في سورية واردة وتحديداً خسارتها لقاعدتيها في طرطوس وحميميم، وإذا حصلت هذه الخسارة فستكون خسارة موجعة لكل توظيفات بوتين العسكرية والسياسية ما يعني هزيمته السياسية في الداخل الروسي.
خلوة السويد التي جرت هي نافذة للروس قبل غيرهم لشمّ الهواء النظيف بعيداً عن خطابات التوتر والتشنج، وهي مناسبة لإيجاد رقعة لعبٍ جديدة بين اللاعبين الدوليين على مبدأ “لا خسارة كلياً ولا ربحاً كليّاً” فإذا مال الروس كما تقول التسريبات غير المؤكدة إلى هذا المنحى السياسي فهم سيُقدمونَ حكماً على رفع غطاء الحماية الذي حموا بموجبه النظام الأسدي من المحاسبة على جرائمه ما يعني أن رحيل النظام الأسدي تمّ وضعه الآن في الميزان الدولي.
الرحيل والحل السياسي سيكونان بموجب مقاربة حقيقية للقرار الدولي 2254 الصادر عن مجلس الأمن عام 2015. ميل الروس إلى هذا المنحى يعني في الدرجة الأولى اعتماد توزيع سورية على أربع مناطق نفوذ مؤقتة مضمونة من الولايات المتحدة وروسيا وتركيا باتجاه مفاوضات جدية تجري في جنيف على قاعدة القرار الدولي المذكور.
إن قبول الروس بهذا الحل سيجنبهم مواجهة محتملة مع تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة سيما بعد أن مرّر الكونغرس تعيين مايك بومبيو صقر الخارجية الجمهوري في منصب وزير للخارجية.
المصالح تقبل التفاوض حيناً وتقبل التأجيل لبعض الوقت ولكن لا يمكن التغاضي عنها إلى ما لا نهاية، الغرب يريد حلاً سياسياً في سورية والروس قد يستطيعون اللعب على الوقت إلى حين، لكنهم ملزمون بشكل جدي على تقديم كشف حساب دولي.
إن مناورات كسب الوقت قد آن دفنها فهل وصلت روائح جثتها إلى موسكو أم أن بوتين يصرّ على عدم الشم إلى لحظة وقوع الكارثة؟