تعيش “منى” 27 عاماً، مقيمة في تجمع مخيمات بمنطقة “دير حسان” شمال إدلب، آخر أيام حملها الثالث بصعوبة كبيرة حسب وصفها، بسبب إصابتها بمرض فقر الدم الناتج عن سوء التغذية، ونقص الرعاية الصحية المقدمة لها، فضلاً عن قلة عدد زيارتها المراكز الصحية خلال فترة حملها للاطمئنان على وضعها الصحي، بسبب بعد مكان إقامتها عنهم، ما جعل معاناتها مضاعفة في بيئة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة.
تقول “منى” في حديثها إلينا، إنها زارت طبيبة النسائية ثلاث مرات خلال فترة حملها فقط، وفي أحد المراكز الصحية المجانية، حيث لا قدرة لها على الذهاب إلى عيادة خاصة بسبب عجزها عن دفع كشفية المعاينة، وشراء الأدوية المطلوبة في حال طلب منها ذلك، ما فاقم من مرضها وسوء حالتها.
تعتمد شريحة كبيرة من النساء الحوامل على زيارة المراكز الصحية المجانية، والتي توفر خدمات طبية جيدة، ولكنها عادة ما تكون مزدحمة وتحتاج وقتاً طويلا الانتظار، بسبب زيادة عدد المرضى، كما أن معظم الأوقات نسائية توجد قابلة نسائية، ويوم واحد أو يومين مخصصة للطبيبة النسائية فقط حسب ما أكدته منى.
كذلك يعيش آلاف النساء الحوامل في المخيمات شمال غربي سوريا ظروف قاسية، إذ تعجز أغلبهن عن تأمين الغذاء الصحي والضروري للحامل، أو حتى محافظتها على تناول الفيتامينات والمعادن خلال فترة الحمل، وبالتالي تصبح معرضة لخطر الإصابة بأمراض عدة هي والجنين، قد تصل لمرحلة الإجهاض، كما أن بُعد المخيمات عن المشافي والمراكز الصحية قد يجعل كثير من النساء تفضل الولادة في المنزل رغم خطورتها، وخاصة إن صادف موعدها ليلاً بسبب صعوبة تأمين المواصلات.
تقول الطبيبة النسائية “أمل زيدان” إن إصابة المرأة الحامل بسوء التغذية يعرضها إلى مشاكل صحية هي والجنين، كما يؤثر على الحليب بعد الولادة، وتصبح الأم غير قادرة على إرضاع طفلها رضاعة طبيعية، كذلك تسبب بيئة المخيمات في حال وجود حمامات مشتركة إلى تعرض النساء الحوامل لخطر الالتهابات، والإصابة بأمراض كثيرة، من شأنها أن تؤدي إلى الإجهاض في بعض الأحيان.
لم تتمكن “هنادي” 32 عاماً، من إرضاع طفلتها بشكل طبيعيي بعد أقل من شهرين على ولادتها، بسبب عدم حصولها على التغذية السليمة والضرورية للأم المرضع، كالحليب والبيض والفاكهة والخضار واللحوم، واقتصار غذائها على ما توفره سلة المعونة الشهرية، من حبوب ومعلبات ومكرونة فقط، ما تسبب بجفاف حليبها ولجوئها إلى الحليب الصناعي الذي لا يتوفر ثمنه معظم الأحيان.
تقول “هنادي” إنها بقيت أكثر من أسبوع تطعم طفلتها النشاء، والرز المطحون، وأحياناً التمر، إلا أنها تسببت في التهاب حاد في الأمعاء، بسبب إدخال هذه الأطعمة غير المناسبة للطفلة الرضيعة بدلاً من الحليب.
يذكر أن النزوح والتهجير كانا لهما أثراً سلبياً على الصحة الإنجابية لآلاف الأمهات في الشمال السوري، وزاد من خطر الوفيات بشكل واضح، والتعرض للإصابة بأمراض عدة، كذلك أثر ضعف البنية التحتية الطبية، والخدمات الصحية المقدمة على حياة النساء الحوامل فضلاً عن الوضع المادي المتردي لغالبية الأسر وافتقارها إلى الرعاية الأساسية.