على وقع أصوات الباعة الجوالين، يستيقظ الأهالي في مخيم “رحماء” بمنطقة كفر لوسين شمال إدلب، بعد أن تصدح مكبرات الصوت بعبارات الباعة المكررة، للترويج لبضائعهم، وكسب قوتهم من خلال تجولهم طيلة اليوم في عدد كبير من المخيمات والمناطق السكنية.
في ساعات الصباح الأولى، يستقل “أبو محمد” مهجر من ريف إدلب الجنوبي، سيارته البيضاء، برفقة ابنه، بعد أن جهزا صندوق السيارة الخلفي بمختلف أنواع الخضار والفواكه الموسمية، ثم ينطلقان باتجاه عدد من المخيمات والمشاريع السكنية المتطرفة، شمال إدلب والتي غالباً ماتكون بعيدة عن مراكز المدن، وتكاد تخلو من المحلات التجارية والأسواق باستثناء دكاكين صغيرة لاتغطي حاجة المخيم.
يسلك الرجل الخمسيني “أبو محمد” ذات الطريق منذ عدة أسابيع، بحيث يحافظ على موعد محدد للوصول إلى كل مخيم سكني، بعد أن أصبح معروفاً بين الأهالي في المناطق التي يقصدها، يقول في حديثه إلينا : إنه منذ نزوحه من بلدة كفروما قبل سنوات، وهو يعمل كبائع جوال على سيارته، بعد أن خسر عمله وممتلكاته فيها، وأصبح نازح يقيم في منطقة “دير حسان” كحال مئات آلاف الأهالي في المنطقة.
أجبرت الظروف المعيشية المتردية، وقلة فرص العمل كثير من الأهالي على خلق فرص عمل خاصة بهم، وسط موجة بطالة كبيرة تضرب المنطقة، قدرها فريق منسقو استجابة سوريا في وقت سابق حوالي 90 بالمئة.
لم يستطيع “أبو محمد” وغيره الكثيرون من الأهالي، الوقوف عاجزين أمام الغلاء المعيشي، وارتفاع الأسعار، وقلة فرص العمل، بل تمكن من تحويل سيارته الخاصة إلى مصدر رزق، كحال كثير من الباعة الجوالين، يخبرنا أن هذه المهنة لاتحتاج رأس مال كبير، أو أجرة مرتفعة مقارنة بالمحلات التجارية، لذا فكثير من الأهالي ذات الدخل المحدود يعملون بها.
“خضرا يلا عالخضرا..” تصدح هذه المتلازمة من جهاز التسجيل في سيارات الباعة الجوالين، لتصل إلى أسماع أهالي المنطقة التي يقصدونها، تقول السيدة “أم حسين” مقيمة في عقربات، أن الباعة الجوالين وفروا عليها مشقة الذهاب إلى السوق، لشراء حاجاتها اليومية من الخضار والفواكه، وحتى الملابس.
إذ تتنوع البضاعة المعروضة في السيارات فمنها ماهو مخصص لبيع الخضار والفواكه، ومنها للألبسة والأحذية، ومنها لبيع البوظة في فصل الصيف، وهناك سيارات تبيع أدوات منزلية وأغراض مخصصة للمطبخ، وغيرها من المواد التي يحتاجها الأهالي في حياتهم اليومية.
لا تخلُ المهنة من مشقة وصعوبات تواجه الباعة، حسب قول عدد ممن تحدثنا إليهم، يقول “أبو علي” صاحب دراجة نارية، يبيع عليها قطع المعروك والبتفور والحلوى، إنه يقضي طيلة النهار بالتجول تحت أشعة الشمس الحارقة، مايؤثر على صحته، وأحياناً يتكلف ثمن البضاعة والوقود للدراجة، دون أن يبيع قطعة واحدة، ولكن تبقى الربح القليل خير من البقاء دون عمل.
كمعظم المهن يواجه الباعة الجوالين تحديات كثيرة، منها تكاليف الوقود وتصليح السيارات أو العربات، ومنها خسائر متعلقة بالبضاعة في حال عدم بيعها، وخاصة الخضار والفواكه التي تتعرض للتلف بسرعة كبيرة، وسط تقلبات الجو وارتفاع دراجات الحرارة.
ربح يسير، وعمل كثير، ووجوه جديدة، ومناطق بعيدة يقصدها الباعة الجوالين في شمال إدلب، بهدف تأمين لقمة العيش الكريم، متأقلمين مع ظروفهم المعيشية، بما توفر بين يديهم، دون أن يستلموا للبطالة والفقر والعوز.