لم يخطر ببالي يوم أمس، وأنا أتابع الأخبار العاجلة التي تفيد بتنحي الرئيس الأرميني سيرج سركيسيان، إلا أن أعقد المقارنات بين الحالة الأرمينية وحالتنا السورية. حتماً لم أكن السوري الوحيد الذي وردت إلى ذهنه تلك المقارنة، فكل منّا نحن السوريين كان يحق له يوم أمس أن يندب حظّ السوريين العاثر.
أحد عشر يوماً من المظاهرات التي وصفت بأنها حاشدة دعت الديكتاتور الأرميني (أعتذر منه هنا لهذه التوصيف، ولكن هكذا أطلقت اللقب عليه بعض وسائل الإعلام، دون أدنى خجل من السوريين). أحد عشر يوماً كانت كافية لإقناعه بأنه مخطئ وأن زعيم المعارضة كان على حق.
رغم فرحي بما آلت إليه الأوضاع في أرمينيا ولهذه النهاية السعيدة للشعب الأرميني (حتى الآن على الأقل) إلا أنني ورغماً عني كان لدي الكثير من الحسد (اللئيم) لهذا الشعب بديكتاتورهم. أليس من دواعي الرضا لهذا الشعب أن رئيسهم، الذي حكم البلاد عشرة سنوات كاملة، قد شعر بعد أحد عشر يوماً كاملة من الاحتجاجات، بأن التعديلات الدستورية التي أجراها والتي تؤهله ليكون رئيس وزراء بصلاحيات واسعة، كانت فعلاً خاطئاً؟
تذكرت وربما تذكر معي الكثير من السوريين، كيف أن الدستور قد عُدّل على وجه السرعة عندنا، بعد موت حافظ الأسد عام 2000 بساعات، كي يرث بشار الأسد الحكم عن أبيه، وبما يتناسب مع سنّه في تلك الفترة، وكيف سَوَّغ الأمنيون والحزبيون السوريون والموالون لعائلة الأسد، هذا التعديل باعتباره ضرورة تاريخية لاستمرار الاستقرار (الذي يصفه السوريون المبتلون بالأسدين الأب وابنه على أنه موت وليس استقراراً). سركيسيان كان قد ساق نفس المبرر لضرورته التاريخية كحاكم، قبل ساعات من تنحيه.
“الديكتاتور” مفردة ترسخت في الذهن البشري عبر تكرارات لشخصيات تاريخية انطبق عليها هذا الوصف فحازوا على ألقابهم، ولأنها حتماً سوف تنزاح عن معناها الأصل حين نحاول استعراض ما فعله الأسد الصغير بسوريا.
“بينوشيه” حاكم تشيلي العسكري كان ديكتاتوراً. وهو حقاً كذلك فقد قتل خلال فترة حكمه التي دامت أكثر من ستة عشر عاماً، حوالي ثلاثة آلاف شخص (منظمات دولية أفادت عن اختفاء أعداد أعلى بكثير من هذا الرقم)، إضافة إلى سجن الآلاف من معارضيه خاصة في صفوف اليسار التشيلي. ولكنه في النهاية ونتيجة الاحتجاجات والضغوط الدولية أجرى العديد من الإصلاحات وسمح للمعارضة بالنشاط وكان لها صحفه وإذاعتها. إذاعة للمعارضة! أجل هذا ما فعله ديكتاتور تشيلي قبل أن يهزم بانتخابات ديمقراطية.
ولنقترب أكثر من واقعنا، ففي التاريخ السوري، وصف أديب الشيشكلي بالديكتاتور، وكان هكذا حقاً، بحسب (النورمات) السورية المألوفة للحكم في تلك الفترة. فقد استأثر العقيد الذي وصف بالرجل الحديدي بحكم سوريا لأكثر من عامين، وشلَّ العمل السياسي عبر الاعتقالات، كما سجلت في حقبته العديد من حالات التعذيب للسجناء السياسيين، لكنه ما لبث، ونتيجة للضغوطات الداخلية، أن أعلن استقالته مردداً جملته الشهيرة في بيان الاستقالة الذي توجه به للشعب السوري: “لن أسمح لجندي سوري أن يوجه بندقيته لجندي آخر بسببي”، وغادر بعدها البلاد. وهل يستقيل الديكتاتور؟ أجل كان يفعل ذلك، قبل مجيء عائلة الأسد.
إذا كان أولئك الحكام ديكتاتوريين، فبماذا يجب أن نصف الأسد؟ باعتقادي أن الأسد يمكن أن يندرج في قائمة أخرى وهي فئة الديكتاتوريين الذين اشتهروا عبر تاريخهم بجرائم مريعة ارتكبوها أثناء حكمهم، من أمثال ستالين وبول بوت اللذين قتلا واعتقلا وشردا الملايين من مواطنيهما.
إذا كان أولئك الحكام ديكتاتوريين، فبماذا يجب أن نصف الأسد؟ باعتقادي أن الأسد يمكن أن يندرج في قائمة أخرى وهي فئة الديكتاتوريين الذين اشتهروا عبر تاريخهم بجرائم مريعة ارتكبوها أثناء حكمهم، من أمثال ستالين وبول بوت اللذين قتلا واعتقلا وشردا الملايين من مواطنيهما.
ومع ذلك سيكون من الافتئات على مقام ستالين وحتى بول بوت أن نضع بشار الأسد في قائمتهما. فستالين على سبيل المثال كان ديكتاتوراً ومجرماً لكنه إلى هذه الصفات كان مهاب الجانب عالمياً، فأين الأسد من ذلك؟ الأسد الذي استجلب كل أنواع المرتزقة من خارج البلاد إضافة لجيوش دول لتدافع عن بقائه في سلطة كان سيخسرها حتماً بمواجهة السوريين، مما أدى لجعله أضحوكة حتى بين بعض مواليه أحياناً، فكان أقرب إلى الديكتاتور “الكراكوز”.
ولكن هل قدم لنا التاريخ سابقاً ديكتاتوراً تم وصفه بالكاراكوز؟ شخصياً لا أذكر. ولكن ها هو التاريخ المعاصر يفعلها في سابقة غير معروفة ويجود علينا بأن يقدم لنا هذا النموذج الصغير (الصغير من الصَغَار) ويجعل السوريين ينحتون هذا المصطلح الجديد الذي يبدو على مقاس بشار الأسد “الديكتاتور الكاراكوز”.