مع بداية العطلة الصيفية عقب انتهاء الموسم الدراسي لهذا العام، توجه “عصام” 12 عاماً وشقيقه ، إلى إحدى محلات صيانة وغسيل السيارات في منطقة كفر لوسين شمال إدلب، يخبرنا الأطفال أنهم يقضون العطلة الصيفية في العمل وتعلّم مصلحة واكتساب الخبرة في العمل، كما يفضل والدهم، مع حرصهم على متابعة تعليمهم المدرسي.
يفضل كثير من الأهالي أن يتعلم أطفالهم مصلحة في سن مبكرة، مستغلين فترة العطلة الصيفية، كما فعل “عصام” وشقيقه، ويعملون لفترة طويلة لا تقل عن ثمان ساعات يومياً، مقابل أجرة زهيدة، لا تتجاوز ثلاثين ليرة يومياً لكل طفل، أي ما تعادل دولار ونصف تقريباً.
وتعد أعمال صيانة السيارات التي يعمل بها الأطفال من أشق المهن، والتي لاتناسب بنيتهم الجسدية وأعمارهم الصغيرة، كما تسبب لهم أمراضاً على المدى الطويل بسبب وفوقهم لساعات طويلة تحت أشعة الشمس في ظروف بيئية غير صحية.
يقول “عصام” الذي تصبغت يداه وبشرته باللون الأسود نتيجة عمله بالزيوت والشحوم والمواد الخاصة بصيانة السيارات، إنه يعاني من ألم من ضهره، ومع ذلك فهو يتابع عمله، كي يساعد والده في مصروف المنزل، ويتعلم المهنة أيضاً في حال لم يتمكن من إكمال تعليمه.
هذه النتائج والآثار السلبية لظاهرة عمالة الأطفال تخبرنا عنها ” نجلاء” عاملة في مجال حماية الطفل بإحدى منظمات المجتمع المدني، حيث تقول في حديثها إلينا: إن “العمل في سن مبكرة يحرم الطفل من مرحلة طفولته، ويؤثر بشكل سلبي على مستواه التعليمي، بل يعد أحد أبرز أسباب التسرب المدرسي واللجوء إلى سوق العمل وبالتالي يؤثر على نموه العقلي وإدراكه، وعلى صحته الجسدية والنفسية”.
وأضافت أن وجود الأطفال في بيئة عمل غير مناسبة ولاسيما المهن الصناعية، والحدادة، وأعمال البناء الشاقة، تعرضهم إلى مخاطر جسدية وأضرار نفسية، وتزيد من نسبة تعرضهم إلى العنف، والإصابات الجسدية والاستغلال من قبل أصحاب العمل، إذ يفضل كثير منهم الأطفال الصغار بسبب أجرتهم الزهيدة، و نشاطهم وخفة حركتهم وبالتالي يتم استغلالهم في أعمال غير مناسبة لهم.
كما يؤدي العمل في سن مبكرة إلى حرمانهم من حقهم في التعليم، ويعد سبب رئيسي لتسربهم من المدارس،إذ كلما زادت نسبة الأطفال العاملين، زادت نسبة التسرب من المدارس، حسب ما تؤكده منظمة اليونيسيف في تقريرها الصادر عام 2019، وقدرت عدد الأطفال المتسربين في سوريا حوالي مليوني طفل، أي أكثر من ثلث الأطفال السوريين هم خارج المدرسة، ويواجه 1.3 مليون طفل خطر التسرب المدرسي.
إذ أن جميع الأطفال الذين انخرطوا في سوق العمل، قد تركوا التعليم، وذلك نتيجة تردي الأوضاع المعيشية لذويهم، واضطرارهم إلى العمل من أجل مساعدتهم في تأمين مستلزمات الحياة اليومية، وسط الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تعاني منها المنطقة عموماً.
وكشفت سنوات الحرب الماضية عن نسب كبيرة من توجه الأطفال إلى سوق العمل سواء في مناطق سيطرة النظام، أو في الشمال السوري، وذلك بسبب تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية لغالبية المواطنين، وفقدان المعيل، ما جعل الحمل على الأطفال كبيراً جداً.