مع كل شاردة وواردة، سواء تَرِدُ في أجواء السلاح العسكري ومسار انعطفاته، أو التصريحات السياسية ومسار الحل المرتقب فيها، يبرز الأسد ومصيره في الواجهة، إلا أن الأيام الأخيرة استحوذ فيها الحديثُ عن التقسيم وغطى المشهد، لكن مع ذلك لم يغب مصير الأسد، بل برز من بين تلك الضبابية.
مراحل متعددة مرت فيها سورية منذ ربيع ألفين وأحد عشر حتى يومنا هذا، وفي كل يوم تطور جديد، إلى أن باتت النتيجة، قراراً سياسياً شبه مسلوب، وتدخلاً عسكرياً مجنون، وصراعاً دولياً على مناطق النفوذ، احتلالٌ غيّر ديموغرافية المكان وهَجر الأهالي وفق مخطط مدروس، حتى وصل الحال للحديث عن القسمة فارتفع صوت “الكُلِ” قائلاً: أنا هنا.
روسيا التي صدّعت آذان العالم بأنها لا تريد تقسيم سوريا في السنين الماضية، خرج وزير خارجيتها “سيرغي لافروف” يراقب ما أطلق عليه محاولات هادفة إلى تقسيم سوريا، وذلك بعد إشارة نائبه إلى أن موسكو تشك في إمكانية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية.
التصريحات الروسية جاءت بعد الرسالة الغربية بالضربة الثلاثية والتهديدات الأمريكية التي تقول: إن لم تكن روسيا شريكاً للأخيرة في حل الأزمة السورية فسيتم محاسبتها.
رسالة الغرب الرئيسية هي أن “سوريا ليست رقعة شطرنج، وليست لعبة جيوسياسية” كما عبرت عن ذلك وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي “فيديريكا موغيرين في مؤتمر المانحين ببروكسل والذي شرط البدء لإعاد الإعمار حل ملف الانتقال السياسي.
إذا كانت سوريا بالنسبة لروسيا هي ورقة لحل ملفات دولية كبرى عالقة، ولن تستطيع حلها إلا عن طريق الملف السوري فبناء عليه هي مجبرة على تقديم تنازلات في هذا الملف، كذلك طبيعة الخلافات بينها وبين حليفها المؤقت الإيراني، ستحول دون نهاية لهذا الملف، إذا لم تستغني عنه، لكنها تبدو إلى هذه اللحظة معاندة ومتمسكة إلى زمن ربما يكون معلوماً لديها مخفياً عن توقعاتنا.
خططٌ تقدم لـ “ترامب” من أجل الإطاحة بالأسد، ثم تكشف الحقيقة بعدها أن الغاية لتدخلات ذاك البلد عسكرياً بقوات أكبر، سبق تلك التصريحات ضربة ثلاثية جعلت من روسيا تستهزء ببقايا مخلفات “التوماهوك”، لكن مع ذلك كله، الواقع يشير إلى سيناريوهين التقسيم، أو خروج “الحيوان” كما سماه ترامب من المعادلة.
“الكبش المعتوه” كان عنوان الوساطة الألمانية، أما المغريات فهي ضمان واعتراف لروسيا وقواعدها وغاياتها في سوريا على أن يرحل الأسد، لكن الروسي رفع الثمن، ولازال يحاول استفزاز الجميع بما فيهم إسرائيل بتسلم مضادات “إس-300” له، ما تطلب رد الكيان عليه بتهديد يمس حياته.
المصير السياسي وشكل الدولة المرتقبة يبقى في إطار التخمينات ويشار فيه إلى مناطق النفوذ والقواعد العسكري والتحضيرات، إضافة إلى إمكانية وقوع حرب من عدمها، بين الإيرانين والكيان الإسرائيلي، أو بين الروسي والأمريكي، رغم أن الأخيرة مستبعدة.
المصير السياسي وشكل الدولة المرتقبة يبقى في إطار التخمينات ويشار فيه إلى مناطق النفوذ والقواعد العسكري والتحضيرات، إضافة إلى إمكانية وقوع حرب من عدمها، بين الإيرانين والكيان الإسرائيلي، أو بين الروسي والأمريكي، رغم أن الأخيرة مستبعدة.
الواقع الحالي يلوح بنذر تقسيم وشكله بات شبه واضح، سوريا المفيدة فيما لو بقي الأسد، وجنوب شبيه بضاحية بيروت، وشمال بمناطق تحت إشراف تركي برعاية أممية، كل ذلك وغيره يحدد لك شكل الحل المرسوم، بعقود لقرون لا تخرج الدول المشاركة والنافذة من سوريا دونها.
حفتر ليبيا وسيسي مصر ومصير متشابه لما آلت إليه ما أطلق عليه “ربيع عربي”، فهل بعد كل هذه السنين سيكون سهيل الحسن (زعيم ميليشيا النمر)، أو فاروق الشرع (المختبئ كالمهدي المنتظر)، هما وغيرهما، شكل من أشكال الاستبدال ليأتي رئيس نظام قديم جديد، منعاً للتقسيم الذي بات المصير الذي يتخوف منه الجميع، فهل عدم وقوعه أفضل؟!.
وحدة الأراضي السورية، ومصير النظام، خياران صعبان فقط على أصحاب الأرض، وأبنائها، والخياران بين سيء وأسوأ، لكن هناك فئة كبيرة في رقعة جغرافية صغيرة، تفضل البقاء منفصلة عن نظام رأت منه الويلات، على أن يأتي نفسه مرة أخرى ليسلب ما تبقى من حريتهم، وبالرغم من مصيرهم الذي لا يستطيعون تحديده كما كذب الكاذبون، إلا أن الأمنيات والأحلام اليوم ببلاش وغداً بالإعدام.