تستغل سيدات في إدلب موسم تحضير المونة، ليس فقط لصنع مؤنتهن المنزلية، بل في إدارة مشاريع عمل صغيرة وبشكل مؤقت، تبدأ وتنتهي في هذه الأشهر الصيفية، حيث يقمن في صنع وتحضير أصناف متعددة من الأطعمة تشتهر بها الأسرة السورية، وذلك لتأمين دخل مادي يعينهم في حياتهن اليومية وسط ظروف اقتصادية متردية.
“أم علي الشامي” مهجرة من الغوطة الشرقية، تقيم في أحد المشاريع السكنية شمال إدلب، عُرفت بين جاراتها بمهارتها في الطبخ وتحضير المونة بكافة أشكالها، ما جعل كثير منهم يعتمد عليها في ذلك، مقابل مبلغ مالي بسيط، ثم توسع عملها وأصبحت تدير من مطبخها الصغير مشروعاً بسيطاً يؤمن لها دخلاً معيناً.
تقول “أم علي” في حديثها إلى مراسلتنا: إنها “منذ دخول موسم المونة تنشغل هي وبناتها في تحضير المنتجات حسب تواصي النساء، فاليوم تنشغل في تقطيف الملوخية ونشرها وتجفيفها إلى أن تصبح جافة تماماً و جاهزة للتخزين، ثم تملؤها بالأكياس وتبيعها للنساء اللواتي لا يجدن الوقت لتحضيرها سواء الأمهات العاملات أو اللواتي لا يجدن متسع في منازلهن لنشرها وتجفيفها”.
تخبرنا السيدة أنها” تستيقظ باكراً وتنهي أعمال المنزل بحيث تتفرغ باقي اليوم إلى صنع الأطعمة وتحضيرها حسب توصية زبائنها، تقول: إن “هذا الشهر موسم الملوخية، ودبس البندورة ودبس الفليفلة، وصنع المربيات بكافة أنواعها ، والمخللات أيضاً، ثم يأتي موسم المكدوس وتجفيف الباذنجان والقرع المعروف باسم (المقدد) الذي يطهى في الشتاء” .
تحصل “أم علي” على مبالغ تصفها بالقليلة مقابل الجهد والوقت الذي تبذله في صناعة المونة، ولكنها تبقى أفضل من البقاء دون عمل أو إنتاج حسب قولها، فالغلاء المعيشي اليوم يحتاج إلى دخل كبير يفوق طاقة رب الأسرة الذي لم يعد قادراً لوحده على تلبية متطلبات العائلة.
يختلف الوضع قليلاً في المدن الكبيرة عن المخيمات، فالكثافة السكانية تحرك السوق، وتخلق فرص عمل أوسع، حيث استطاعت السيدة الأربعينة “وصال” من أهالي مدينة إدلب، أن تحجز مكانا لها في سوق العمل من داخل منزلها، وبأقل التكاليف، إذ عرفت في المنطقة وبين معارفها بمهارتها في صنع الطعام وخاصة الأكلات الشعبية وتحضير المونة، وأصناف أخرى من الحلويات.
مراسلتنا التقت السيدة “وصال” و حدثتنا عن بداية عملها منذ سنوات، والتي بدأت بين معارفها والمقربين منها وكانت الفكرة مساعدة الأمهات في تحضير الوجبات والأطعمة التي تحتاج وقتاً طويلاً لصنعها، وبعد إعجاب زبائنها بجودة ومذاق الأصناف التي تحضرها قررت توسيع عملها واحتراف العمل كمهنة يومية، لتأمين مصدر دخل مادي يعنيها في حياتها.
وقالت بالإضافة إلى صنع المونة تقوم بتحضير مختلف أصناف الطعام مثل “اليبرق، واليالنجي، والملفوف، و الكبة، الفطائر” وأنواع أخرى من الأطعمة الشعبية، بعد إطراء من أقاربها وجيرانها على جودة طبخها، ومهاراتها في صنع المونة، وجميع الأكلات الأخرى.
وأضافت أنها استعانت بوسائل التواصل الاجتماعي لتوسيع عملها، وأنشأت صفحة على منصة الفيسبوك لعرض صور من أعمالها، و أرفقتها بالعنوان ورقم التواصل، وبفترة قصيرة نالت ثقة زبائنها وأصبحت معروفة بشكل أوسع، وزادت عليها الطلبات والتواصل.
تقول إن “أهم ما يميز عملها النظافة والطعم الشهي، وفن التقديم والتغليف، والسرعة في الإنجاز والالتزام بالوقت، وكل ذلك جعلها تتميز أكثر وتنجح وتستمر في عملها، إذ أن أغلب زبائنها هن السيدات العاملات اللواتي لا يجدن وقتا لتحضير المونة، وعددا من النساء المرضى اللواتي يعانين من أمراض معينة تمنعهم من بذل جهد إضافي في تحضير الطعام”.
رغم بساطة هذه المشاريع الصغيرة إلا أنها استطاعت تأمين دخل مادي لعدد من العوائل، بأيدي نسائية، ونجحت السيدات في استغلال مهارتهن في مجال الطبخ وصناعة الأطعمة بمختلف أصنافها، بالاعتماد على إمكانيات متواضعة، ومواد بسيطة، وخبرة في العمل، وإصرار على النجاح والتميز، أن يتركن بصمة في مجال المشاريع الصغيرة التي ربما تكبر وتصبح مشاريع كبيرة في المستقبل.