كشف تحقيق صحفي استقصائي لمؤسسة أريج للصحافة الاستقصائية، اطلعت منصة SY24 على نسخة منه حمل عنوان “شتات الأطباء السوريين قصة.. هدر عملاق” عن بقاء 15868 طبيباً فقط يعملون داخل سوريا في عام 2020، بالوقت الذي تضاعف عدد الأطباء الذين يخدمون السكان، بين عامي 1990 و2010، بحسب قاعدة بيانات “مؤشرات التنمية” التابعة للبنك الدولي، حتى قارب مجموع عدد الأطباء نحو 30 ألفاً.
وأشار التحقيق إلى أنه ومع انتشار الأطباء السوريين في جميع أنحاء العالم بين 2011 و2022، لم توثّق أي دولة مضيّفة وجودهم داخل مجتمعها، ولم يعرف أحد على وجه الدقة عدد الأطباء الذين فرّوا من سوريا بعد العام 2011، حين تحوّلت الاحتجاجات الشعبية إلى نزاع مسلح مستمر حتى تاريخ نشر هذا التحقيق، أدى مما أدى إليه إلى انهيار النظام الصحي في البلاد.
وأثبت التحقيق أن الأرقام المعلنة والرسمية لهذا الشتات، خاطئة وغير منطقية أحياناً، فالحجم الحقيقي للنزوح الجماعي أكبر مما اعتُرف به رسمياً من قبل الحكومة السورية، أو المؤسسات الدولية أيضاً، وكذلك هي تداعياته على بقية دول العالم، حيث يختار كل اللاجئين من ذوي المهارات العالية، طريق المنفى من أفغانستان إلى أوكرانيا وبلدان أخرى.
ومع انطلاق الاحتجاجات الشعبية سرعان ما واجه الأطباء معضلة رهيبة، فأخلاقيات المهنة تستوجب رعاية المتظاهرين الذين تأذوا من الجيش وقوات الأمن، لكنّ الحكومة اتخذت أي طبيب يساعد المتظاهرين عدواً للدولة.
وذكر التحقيق شهادة أحد الأطباء السوريين لمنظمة “(PHR) أطباء من أجل حقوق الإنسان حيث قال: “بالنسبة إلى محقق الأمن، أنت (كطبيب) أخطر بكثير من الإرهابيين، فيقال لك: نحن نقاتلهم وأنت تعيدهم”، إذ وثقت المنظمة خلال سنوات النزاع العشر، سجن مئات من مقدمي الرعاية الصحية وطلاب الطب بشكل غير قانوني من قبل الأجهزة الأمنية السورية، وهم مختفون منذ ذلك الحين.
وبحسب المنظمة الطبية، هناك ما لا يقل عن 3364 من العاملين في المجال الطبي في سوريا ما زالوا محتجزين أو مختفين قسراً، وهناك أكثر من 900 اختصاصي طبي قُتلوا، كما قُصفت المستشفيات عمداً، وبحلول العام 2021، أحصت المنظمة “اعتقال و/ أو تغييب” 3364 عاملاً في مجال الرعاية الصحية، ومقتل 948 شخصاً في هجمات على منشآت طبية.
وعلى خلفية ذلك، استمر هروب الأطباء السوريين بالآلاف إلى الأردن ولبنان وتركيا ودول الخليج، وأوروبا وأميركا الشمالية والقوقاز، وبلدان ومناطق أخرى حول العالم.فهم الآن يعانون الفقر بسبب العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، والتي أدت إلى تدمير قيمة العملة المحلية. وتبلغ قيمة الدولار (حتى نشر هذا التحقيق) فى السوق السوداء أكثر من 13 ألف ليرة سورية، في حين كان الدولار يوازي قبل عشر سنوات مثلاً 104 ليرات.
وأشار بحسب لجان الصليب الأحمر الدولي يعيش 90 بالمئة من السكان تحت خط الفقر، ما جعل عملية تهجير الأطباء عملية منظمة ومسكوتاً عنها تحت أعين السلطات الرسمية؛ فالمؤتمرات التعريفية وإعلانات شركات خدمات السفر للخارج وخصوصاً ألمانيا، تقام في العلن.
فضلاً عن استهداف المجموعات المعارضة المسلحة الأطباء وعائلاتهم بالخطف والملاحقة؛ ما دفع الآلاف من الأطباء والممرضات وغيرهم من العاملين في مجال الرعاية الصحية إلى الفرار خارج البلاد، كما فعل رجال الأعمال في قطاع الأدوية الشيء ذاته، تاركين وراءهم مصانعهم المنهوبة أو المحطمة.
فما حدث بعد ذلك في سوريا، تمّ توثيقه بدقة من قبل المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الدولية، فسوريا وروسيا دمرتا البنية التحتية الطبية في البلاد بالمدفعية والغارات الجوية، وبسجن العاملين في المجال “وتعذيبهم وإخفائهم قسرياً، وذكر التحقيق أنه ابتداءً من العام 2015، أطلق الجانب السوري وحليفه الروسي حملة تدمير ممنهجة، ضد المنشآت الصحية، في المناطق التي خرجت عن سيطرة الحكومة.
وقال التحقيق إن هذه كارثة بكل المقاييس، لكنّها أيضاً فرصة تجارية لروسيا، فقد أثبتت الأحداث المتلاحقة أن الدولة الروسية والشركات الخاصة المقربة من الكرملين، وبعد المساعدة في تدمير نظام الرعاية الصحية في سوريا، قامت بالاستفادة من إعادة إعماره.
وأشار إلى أن لروسيا طبقت نموذج الأعمال هذا في الشيشان، حيث أعقب التكتيك الروسي بتدمير البنية التحتية للمدنية، استثمار بقيمة 8 مليارات روبل من مشاريع إعادة الإعمار “المليئة بالفساد”، وفي سوريا يتشكل مسار مشابه على نطاق جديد وكبير، فقد قدّر مسؤول روسي في عام 2018 مبلغاً يتراوح بين 200 و500 مليار دولار لإعادة إعمار الاقتصاد السوري.