لم تتح أسعار الملابس المرتفعة مع اقتراب موسم الشتاء وافتتاح المدارس فرصة للتفكير في كسوة الأطفال هذا العام لدى شريحة واسعة من الأهالي في الشمال السوري، بعدما ضربت المنطقة موجة من الغلاء وارتفاع الأسعار شملت جميع المواد والسلع الأساسية، بما فيها الملابس والأحذية، وجعلت شراء الملابس الجديدة من الكماليات بالنسبة إليهم، لذا أصبح التخلي عنها أحد الخيارات الموجودة، أو اللجوء إلى الملابس المستعملة وإعادة تدويرها كحلٍ مقبول عند كثير من الأسر، حسب قول من التقيناهم.
بالإضافة إلى الغلاء فقد ساهمت ظروف الحرب والفقر في انتشار مهنة “تدوير الملابس” القديمة، ولاسيما لدى قاطني المخيمات من النازحين والمهجرين، وتحويلها إلى قطع صالحة للاستعمال مجدداً، بمقاسات مختلفة وإضافات جديدة تجعلها أجمل.
تمكنت “أم عدي” بمهارة اكتسبتها في مهنة الخياطة منذ كانت في الغوطة الشرقية قبل نزوحها إلى مخيمات “كفر لوسين” شمال إدلب، أن تأمن فرصة عمل لها في منزلها، بماكينة صغيرة، وأقمشة مستعملة من خلال إعادة تدوير الملابس للأهالي في منطقة سكنها، وذلك بعدما شعرت بعجز واضح لدى أغلبهم في القدرة الشرائية، أو تفصيل الملابس من الأقمشة الجديدة، اكتفائهم بتأمين الحاجات الضرورية فقط الطعام والأدوية.
تقول “أم عدي” في حديثها إلى مراسلتنا: إنها تستطيع إسعاد طفلة في المخيم عن طريق تحويل رداء والدتها القديم أو عباءتها إلى فستان صغير يناسب مقاسها، مزركش بتصميم جميل، وكذلك استعمال ماتبقى من الأقمشة مع قطعة أخرى لصنع بنطال أو كنزة صغيرة أيضاً.
تخبرنا أن الأمهات المدبرات يستطعن بلمسة فنية أن يلبسن أطفالهن ملابس بتصاميم جميلة دون تكلفهن مبالغ عالية وإنما تتراوح أجرة الخياطة 30 إلى 50 ليرة فقط. في الوقت الذي يصل سعر أقل فستان في السوق قرابة 300 ليرة تركي، وهو مبلغ مرتفع على الفقراء وعمال المياومة.
تضيف “أم عدي” أنه في موسم اقتراب الشتاء تكثر طلبات الزبائن على إعادة تدوير الملابس أكثر من التفصيل، كنوع من التحايل على ظروفهم المعيشية المتردية، وتدني مستوى دخل الأسر، وغلاء الألبسة الجاهزة، وتؤكد لنا أن عدداً كبيراً من العوائل في محيطها يقومون بتجديد ثيابهم، أو إصلاحها بإضافة لمسات فنية أو قطع قماشية عليها، لتصبح شكلها مقبول ومناسب لهم.
تقضي كثير من النساء أوقاتهن خلف الماكينات الخياطة، “إسراء” 22 عاماً، واحدة منهن، أرادت تعلم مهنة الخياطة وبدأت بتدوير الملابس لأطفالها بمساعدة جارتها الخياطة “أم عبدو” التي نصحتها بتعلم الخياطة ومساعدة عائلتها في مصروف المنزل وتأمين كسوة لأطفالها من خلال إعادة تفصيل القطع بمقاسات تناسبهم بدلاً من ثيابهم القديمة.
وتتقاضى أم عبدو 10 – 30 ليرة فقط، من الأهالي حسب القطعة التي تخيطها أو تصلحها، تقول إنها تراعي ظروف الجيران والأهالي ولا تطلب مزيداً من الأجر لقاء عملها في تدوير الملابس، حيث تحول كل ما تجلبه النساء لإعادة تدويره، سواء كان قميص أو عباءة أو فستان أو حتى ستائر وأقمشة من البالة إلى ملبوسات بمقاس جديد ،إضافة إلى عملها في الإصلاحات الصغيرة كالتقصير والتضييق ورثي الملابس المهترئة، خاصة مع اقتراب افتتاح المدارس.
يذكر أن الوضع المعيشي والاقتصادي بشكل عام جعل كثير من الأهالي يتحايلون على ظروفهم المعيشية إما بالتخلي والاستغناء أو التدبير وإعادة التدوير، وخاصة أن نسبة الفقر قد وصلت قرابة 90 بالمئة من السكان في الداخل السوري حسب تقديرات الأمم المتحدة.