“لم أجد فرصة عمل حقيقية بالرغم من امتلاكي شهادة جامعية ولدي خبرات واسعة في العديد من المجالات، وها أنا اليوم تراني أبيع الخضار على عربة اشتريتها منذ عدة أشهر وأصبحت أمتلك مشروعي الخاص”.
بهذه الكلمات وصف الشاب “خالد”، وهو من أهالي مدينة الرقة وخريج كلية اقتصاد، وصف صعوبة عثور الشباب اليوم على عمل ضمن اختصاصاتهم التي درسوها في الجامعات، في ظل ارتفاع معدلات البطالة وانتشار ظاهرة الواسطة والمحسوبية وخاصة فيما يتعلق بالعمل لدى مؤسسات “الإدارة الذاتية” أو المنظمات المحلية والدولية العاملة في المدينة.
وفي حديثه مع منصة SY24 قال: “تخرجت من الجامعة منذ أكثر من عشر سنوات وبدأت رحلة البحث عن عمل حقيقي طوال تلك المدة التي شهدت تعاقب سيطرة العديد من الجهات المسلحة على المدينة، بدايةً بالنظام مروراً بفصائل المعارضة المسلحة وتنظيم داعش وانتهاءً بـ قوات سوريا الديمقراطية، ولهذا لم أستطع خلال تلك الفترة العثور على فرصة حقيقية أثبت بها جدارتي”.
وأضاف “عملت كمتطوع في أكثر من منظمة وشاركت في العديد من الفعاليات الثقافية والفنية والاجتماعية على أمل العثور على عمل حقيقي أضمن به مستقبلي، وأستطيع من خلاله توفير بعض الأموال وتأسيس عائلة بها والاستقرار بعيداً عن عائلتي التي تحملتني طوال السنوات الماضية”.
وبحسب ناشطين محليين فإن الكثافة السكانية العالية في مدينة الرقة زادت من معدلات البطالة خصوصاً بين الشباب، ناهيك عن انتشار ظاهرة المحسوبية والانتقاء في التعيين وبالذات لدى مؤسسات “الإدارة الذاتية” والتي باتت تورث الوظائف لعائلات معينة فيما بينها، ما حرم الجامعيين وأصحاب الخبرات من حقهم في العمل.
من جانبه، ذكر “عبدالعظيم”، وهو من أهالي الحمرات في ريف الرقة الشرقي وخريج كلية الآداب في جامعة الفرات قسم لغة انكليزي، أنه “عمل كمدرس لطلاب مرحلة التعليم الأساسي في القرية لعدة سنوات مقابل مادي قليل نسبياً مقارنةً بالرواتب التي يتقاضاها نظراءه من خريجي نفس القسم، والذين يعملون لدى إحدى المنظمات الإغاثية المحلية بالرغم من امتلاكه العديد من شهادات الخبرة”، على حد تعبيره.
وفي حديثه مع مراسل منصة SY24 قال: إن “العمل لدى المنظمات الدولية والمحلية أو لدى مؤسسات الإدارة الذاتية صعبً للغاية إن لم تكن تمتلك واسطة هناك، ولهذا فإننا نرى أقارب وأصدقاء مدراء تلك المؤسسات يعملون في مناصب عليها داخلها بالرغم من أن بعضهم لا يملك شهادة إعدادية، في الوقت الذي يجلس فيه خريجو الجامعات على المقاهي أو يعملون في بيع الألبسة والمحروقات على البسطات في شارع تل أبيض وسط المدينة”.
وأضاف أن “هناك أيضاً تمييز في التعامل بين الذكور والإناث في التوظيف وقيام أغلب المدراء باختيار الفتيات الصغيرات اللاتي لا يمتلكن أي خبرة أو شهادة جامعية للعمل لديهم، فقط كونهن يقبلن برواتب قليلة ويتغاضون عن أي تجاوزات قد تحصل وغيرها من الأسباب، مع التأكيد على وجود العديد من الفتيات اللاتي يمتلكن خبرة واسعة ولم يحصلوا بعد على فرصتهم بالعمل”.
ويذكر أن مؤسسات “الإدارة الذاتية” في مدينة الرقة والمنظمات الدولية والمحلية العاملة بها تشهد انتشاراً غير مسبوقٍ لظاهرة المحسوبية والواسطة بين موظفيها ومدرائها، وذلك عبر تعيين أقاربهم ومعارفهم في مناصب ووظائف غير مناسبة لهم لعدم امتلاكهم أي خبرة أو شهادة جامعية تؤهلهم للعمل بها، في الوقت الذي مايزال شباب المدينة يبحثون عن فرص عمل لدى تلك المؤسسات بهدف تحسين وضعهم الاجتماعي والاقتصادي وإعانة عائلاتهم، وسط ارتفاع كبير في معدلات الهجرة بين الشباب وخاصةً أصحاب الخبرات إلى الخارج بحثاً عن فرص عمل حقيقية تليق بهم.