تبيض النحاس مهنة قديمة، انحسرت كباقي المهنة التقليدية، وأصبحت من الذاكرة، لا يعرفها إلا جيل الثمانينات وما دونها، وخاصة بعد انتشار أواني “الستاليس” والمعادن الأخرى.
يجلس “أبو محمد” على كرسي بلاستيكي، حاملاً بيديه كأس من الشاي الساخنة، ويقول لمنصة SY24 “من صغري وأنا أعمل بمهنة التبيض، وأولادي تعلموا مني، هي عمل أجدادي وتراث عائلتنا”.
“أبو محمد صباغ” 45عاماً، من مدينة أريحا، متزوج ولديه 6 أولاد، يعمل في تبييض النحاس والمعدان الأخرى، وأيضاً تصليح الأواني “قديماً كان محل جدي تبيض للنحاس فقط، بسبب قلة النحاس بشكل كبير صار عنا تلميع لكافة الأواني وتصليحها”.
ازدهرت هذه المهنة بعد الثورة السورية بشكل جيد، وذلك بسبب قلة استخدام النساء للغاز وانعدام الكهرباء في مناطق شمال سوريا واستخدام الحطب في الطبخ، هذا كان سبباً في زيادة عمل المبيض في تبييض وتلميع الأواني المعدنية.
توريث المهنة
يؤكد صباغ أنه يحرص على تعليم المهنة لأولاده، ليضمن استمرارها للأجيال القادمة”، أما ابنه “محمد” 19عاماً، هو حريص جداً على عمله يؤكد ذلك من خلال حديثه إلينا يقول: “منذ كنت بعمر 10سنوات وأنا أعمل مع والدي، ومن حوالي ثلاث سنوات فتحنا فرع ثاني لمحلنا وأنا أعمل به الآن”.
تطور طريقة التبييض بين الماضي والحاضر
قديماً كان “المبيض” يتجول في القرى والمناطق التي تفتقر لهذه المهنة، وتستغرق جولته بضع أيام حتى ينهي عمله.
أما عن مواد التبيض وطريقتها، كان “المبيض” يضع الأواني النحاسية على النار لتسخينها، ثم يضع الرمل بداخلها ويفركها بقطعة من الجلد، للتخلص من الصدأ، ومن ثم يذوب القصدير مع النشادر ويفرك الوعاء بقطعة من القطن حتى تلمع وأخيراً يغسلها بالرمل والماء.
تطورت مهنة التبييض كباقي المهنة القديمة الأخرى، ولم تقتصر تلك المهنة على النحاس فقط، مع تطور المعادن وانتشارها بشكل أكبر تطورت معها طريقة التبييض.
افتقرت المدن السورية لتلك المحلات وأصبحت أعدادها محدودة جداً، وتطورت طريقة تلمع الأواني، وأصبحت أخف مشقة وأقل كلفة، وتغيرت مواد التبيض وأصبح يستخدم “المبيض” مادة الأسيد وروح الملح في تبييض الأواني وتلميعها.
رغم عدم استخدام الكثير من الأشخاص الأوانى النحاسية، لكن “أبو محمد وأولاده لا زالوا يحافظون على هذه المهنة مع تطورات بسيطة معاصرة مع زمننا هذا”.