تتلخص معاناة آلاف الطلاب في الشمال السوري بعدم وجود بيئة تعليمية آمنة ومناسبة لهم، مع قلة عدد المدارس الموجودة، وخروج قسم كبير منها بفعل قصف النظام السوري للمنطقة، واستهدافه المنشآت التعليمية بشكل خاص، ما جعل إكمال التعليم واحداً من أبرز التحديات التي تواجه الطلبة في المنطقة، ولاسيما في المخيمات، وسط إصرار منهم على النجاح وتحدي تلك الصعوبات.
عاشت الشابة “ترتيل” 15 عاماً، تلك الظروف القاسية أثناء دراستها في المرحلة الإعدادية العام الماضي، حيث تقيم مع عائلتها في منزل غير مهيأ للسكن في بلدة “حزانو” شمال إدلب منذ تهجيرها من مدينة حلب قبل سنوات، تقول في حديثها إلينا: إن “طريق النجاح بالنسبة لنا كان محفوف بالعقبات والمصاعب، التي لا يمكن تجاوزها إلا بالإصرار والعزيمة”.
تعيش عائلة الفتاة ظروف سيئة في منطقة سكنهم، بعد نزوح متكرر وعدم استقرار بسبب القصف والزلزال أيضاً، وأثر ذلك على دراستها بشكل كبير، فسعت هي وشقيقتها التوأم “تهليل” لحصولهما على المجموع التام وكان لهما ما أرادتا.
وفي نهاية العام، حصلت الشابتان”تهليل وترتيل” بكر العائلة، على المجموع التام في شهادة المرحلة الإعدادية، رغم انعدام الظروف المناسبة لتفوقهما، تقول “ترتيل” إن “جو المخيمات والمنازل المتطرفة كحال منزلهم غير مناسب للدراسة، خاصة في فصل الشتاء مع انخفاض درجات الحرارة، وانقطاع الكهرباء، وضعف الإنارة ليلاً وطبيعة الطرق الطينية الموحلة في منطقتهم، وبعد المدرسة عنهم”، كل ذلك جعل من النجاح والتفوق حالة استثنائية لكثير من الطلاب والطالبات.
إذ تزداد معاناة آلاف الطلاب في مخيمات الشمال السوري الذين عاشوا ظروفاً قاسية لنيل النجاح وتحدي الواقع المفروض عليهم، واستطاع عدد منهم العام الماضي تحقيق درجات تامة في الشهادتين الإعدادية والثانوية.
تخبرنا الشقيقة الأخرى “تهليل” أنهم منذ 12 عام لم يعرفوا الاستقرار أو الأمان، وكانت هذا الظروف القاسية دافعاً كبيراً لهن لتحقيق النجاح الذي وعدتا فيه والديهما، وتمكنتا من ذلك بجدارة، تقول: “كنت وأختي في الثالثة من عمري عندما غادرنا منزلنا في حلب، وتركنا ألعابنا وغرفتنا، وبدأت مرحلة النزوح منذ ذلك الوقت، إلى أن استقرينا هنا أخيراً قرب المخيمات”.
وزاد اعتقال والدها منتصف العام الماضي من معاناتهم وبقائهم دون معيل أو سند وخاصة أنه كان الداعم الأول لهما، تقول: “لقد تكرمت وأختي ثلاث مرات بسبب تفوقنا دون وجود والدي، وكانت فرحتنا ناقصة”.
كما عاش التوأم ظروف سيئة خلال عامهم الدراسي، زادها زلزال السادس من شباط الذي ضرب المنطقة العام الماضي، وخلف آلاف الضحايا والإصابات ومازالت آثارها النفسية تلاحق كثيرين حتى اليوم ممن عاشوا لحظات الرعب كما حدث مع الشابتين.
تقول “ترتيل” عن تلك الليلة السوداء كما وصفتها: “استيقظنا في اللحظات الأولى للزلزال باعتبار بيتنا طابق رابع، وكان البيت يميل بنا شمالاً ويميناً، ما كان منا إلا الاستغاثة بالله، ومواجهة المصير المجهول”.
تذكر أنها كانت تحضّر مادة العلوم، وكان الكتاب لايفارقهما حتى وقت الهروب من المنزل، أثناء عودة الهزات الارتدادية، وبقائهم في حالة خوف وتوتر.
تكللت نهاية العام القاسي بتفوق التوأم، وحصلت إحداهما على العلامة التامة، والأخرى على مجموع عالٍ أيضاً، تقولان لمراسلتنا إن “لحظة نجاحهما كانت كفيلة بنسف جميع الصعوبات والذكريات المؤلمة التي عاشوها أثناء دراستهم”.