يروى أن متخاصمَين ذهبا إلى قاضٍ فسألهما عن السبب قال له أحدهما: “هو من قتل الحسين” فنفى الآخر، وحينما عَرَفَ القاضي من الحسين رضي الله عنه، حكم عليهما بالحجر.
الروايات التاريخية والمنبثقة عن خلافات في مرويات الكتب التي يتشرب منها أبناء الطوائف والأديان، أودت إلى قتال العميان والتعصب الطائفي المقيت، الذي لم يودي أهل الخلاف إلا إلى مزيد من القتل والدماء الدمار.
هذه مقدمة لمقال غير طائفي لكن الواقع مختلف تماماً، فحينما أتى المحتلون الكُثر منذ تصدير ما يسمى بالثورة الإيرانية عام 1979م في العصر الحديث، بدأت معالم الاستيراد تظهر في شوارعنا، والتي ساهم في فتح الطريق أمامهم قيادة المغتصبين للحكم، أو من طريق تجاهل الخطر المحدق والذي لم تعيه النخب (الصورية)، حتى أصبح المحتلون مسيطرين على عواصم أربع، ومدناً وقرى بأكملها، مستغلين كما حصل في التاريخ المتغيرات السياسية، والفوضى العارمة الحاصلة.
عندما كنت في بيروت في السنين الماضية، كان لي طريق يمر بالضاحية الجنوبية، التي كان الفقر مقحلاً فيها، والحزب التابع للملالي يسود بسواد قمصانه في أزقتها، ويرفرف علمه الأصفر على الحواجز، تسير وقلبك منقبض ومتوتر ومشدود، ترى صناديق التبرع بالخُمسِ، وحدائق مكتوب عليها “تقدمة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية” بطريقة توحي إليك حجم الاستغلال للطبقة الاجتماعية التي عُرفت بأن انتماءها عائد إلى ورقة نقدية مكتوب عليها دولار، حتى صارت الضاحية الجنوبية تابعة لهم مع الانتماء.
روى لي أحدهم عن فترة اعتبرها مؤهلة للواقع الذي أصبحنا نشهده اليوم، حينما تم تغيير العوائل وبدلت ألقابهم، إلى الحسني أو الحسيني أو … إضافة إلى ظهور (جمعية المرتضى) التي أسسها جميل الأسد، وهي جمعية طائفية تصبو إلى تنصير أبناء السنة (أي دعوتـهم لاعتناق النصيرية) في الجزيرة وبادية حمص وحماة بحجة أن فلاحي هذه المناطق كانوا نصيريين وأجبرتـهم السلطات العثمانية على اعتناق المذهب السني.
ضمن هذا المسار الاختراقي برز دور التجار والمؤسسات وبعض المشايخ أيضاً إضافة إلى البيئة الصوفية التي كانت حاضنة لتلك الأجواء، فساهمت في قبول تلك الترهات.
دمشق عاصمة الأمويين، ومهد قوتهم، وأنموذج حضارتهم، استغلها الملالي اليوم كما استغلوا بيروت وصنعاء وبغداد قبلها، بدأوا يثيرون تلك النعرات الطائفية، بعدما بدأت تتعاظم حجم السيطرات في دمشق الجنوبية وتفريغ الأهالي وتغيير الديموغرافيا، كما تابع العالم أجمع تلك الجريمة، الغوطة بشرقها وغربها والقلمون الشرقي والجنوب الدمشقي كاملاً، مؤخراً وليس آخراً.
مقاطع مصورة متداولة تلك التي تنادي “يا لثارات الحسين” في حي الأمين وسط دمشق حيث خرج “زين العابدين محسن مراد” منها مهدداً بحرق أهل الشام من قبل النظام وحلفائه، قيل إنه اعتقل على إثرها والسبب واضح، ومقاطع أخرى تُظهر مولوية نسائية بقلب دمشق، والمولد لا يحلو إلا مع “النساء والأرجيلة”، وحاشا ذلك!، لكنها من الممهدات.
“أنس الطويل” يخرج قبل أيام وهو شيخ من شيوخ الأسد وعرّاب ما يسمى المصالحة في تلك المنطقة ليدعو المدنيون أصحاب الأرض إلى التعايش مع تلك الميليشيات الدينية العابرة للحدود، في موقف يثبت نجاحه في اختبار معلمه الذي تحدث في خطابه المشهور عن التجانس وما سبقه من قوله: “سوريا الأسد لمن يدافع فيها عن كرسي الأسد”.
كان من المفترض أن يكون المضاد والراصد والمناكف والمحارب لتلك الظواهر هو من يقوم بتوعية الناس من مشايخ ونخب حُسبت على فريق ثائر، لكن عندما بدا التقصير واضحاً أخذ الإعلاميون والنشطاء يحذرون من هذا الخطر، فهل سيصحون بعد أن تكون دمشق بالكامل ضاحية جنوبية وسورية، مستعمرة إيرانية؟ الله أعلم.