بدأت صناعة الفخار تزدهر في الشمال السوري خلال السنوات الأخيرة، بعد أن أوشكت على الاندثار، وكان انقطاع الكهرباء وغلاء المحروقات سبباً رئيساً في عودة طلب الأهالي للأواني الفخارية، وبشكل خاص “الخوابي” التي أصبحت بديلاً عن الثلاجة في فصل الصيف.
تعتبر مدينة “أرمناز” الأولى في صناعة الفخار، وذلك لاحتواء أرضها على تربة تصلح لصناعته، وأيضاً وجود ورشات تراثية قديمة يعود تاريخها لمئات السنين، ويزال أصحابها يحافظون عليها، فقد ورثوها من آبائهم وأجدادهم، يحدثنا “علاء ديب” 38عاماً، صاحب إحدى الورشات في المدينة عن حبه وتعلقه بهذه المهنة، فيقول ” أعمل بها منذ أكثر من عشرين سنة، علمني والدي وهو تعلمها من جدي، فهي تراث عائلتنا منذ مئات السنين”.
يصنع الفخار إلى تربة تسمى “الغضارية” وهي تساعد على تشكيل الأواني وتعطيها قواماً متماسكاً، ويشرح لنا عن طريقة تشكيل الأواني الفخارية فيقول: “نغربل التراب أولاً، وينقى من الشوائب، ونضيف الماء ونعجنه حتى يصبح كالعجين”.
ويجلس على كرسي حديدي، وأمامه دولاب مربوط بعجلة دائرية يحركها بقدمه، وبين يديه عجينة من الصلصال، ليصنع منها إبريقاً، وهو يكمل حديثه قائلاً: ” يترك بعد أن يصبح إبريقاً لمدة أسبوع تحت الشمس في فصل الصيف، أما في الشتاء فهو يحتاج لأكثر من شهر حتى يجف، ثم يوضع بالفرن بدرجة حرارة عالية تصل 800 درجة مئوية”.
تطورت صناعة الفخار مع تطور الزمن، فدخل فن الزخرفة إليها، فصارت مطلوبة بشكل أفضل، ويخبرنا “علاء” عن شغفه وحبه للمرحلة الأخيرة، فيقول: ” هذه المرحلة يُخرج الصانع فنه وإبداعه في القطعة، وهي مرحلة التزيين والتلوين، وبعد ذلك تكون جاهزة لطرحها في السوق”.
انتشرت بسطات تحوي أواني فخارية بأشكال مختلفة، تبهر العين، “فاطمة” 34 عاماً، تسكن في جبل الزاوية وتشكي من انقطاع الكهرباء في بلدتها لأكثر من عشرة أعوام، وتقول” كانت الخابية حلاً مناسباً لنشرب ماءً باردةً في فصل الصيف،ونقية”.
ينصح مختصي الصحة البدنية باستخدام الأواني فخارية لطهي الطعام بدلاً من البلاسيتك والمعادن الأخرى، وهذا ما عملت به ” سلوى” 44عاماً، تسكن في جبل الزاوية، وتخبرنا عن تجربتها فتقول: “الأدوات الفخارية تحافظ على النكهة الحقيقية للطبخة، وتحفظ حرارتها لوقت أطول، وتعطيها طعماً مميزاً”.
وبحسب الدراسات الآثارية، تعود أول آنية فخارية تم اكتشافها في سوريا إلى عصر النيوليت الفخاري (6500 قبل الميلاد) الذي تتوزع آثاره بين بلاد الشام وهضبة الأناضول.