تتميز كل مدينة سورية بصناعة صنف معين من الحلويات، ويعتبر هذا النوع مرتبطاً بتلك المدينة، فصناعة “الشعيبيات” في مدينة أريحا تعد من تراثها القديم الذي يحافظ أهلها عليه، بعد تطورات بسيطة طرأت على صناعتها، لكنّ طعمها المميز بشهادة ذواقيها ربطت اسم المدينة بالشعيبيات.
يعود تاريخ الشعيبيات إلى مئات السنين، حيث نشر المؤرخ “فايز قوصرة” عن تاريخ هذه الصناعة فكتب: “انتقلت صناعة الشعيبيات إلى مدينة إدلب أولاً عن طريق صانع الحلويات (ناجي عاشور) الذي كان مشاركاً في حرب (السفر برلك)، ثم غادر المعركة ليعود إلى سوريا، وخلال مروره من تركيا توقف في إحدى المدن ليعمل ويجمع المال، فعمل هناك في مطعم للحلويات وتعلم صناعتها، وبعد وصوله إلى إدلب فتح محله في السوق الغربي قرب جامع الأقرعي”.
أما شهرة أريحا بذلك فقد أتت متأخرة بعد شهرة إدلب بسبب تحويل طريق اللاذقية- حلب من المرور في إدلب بعد عام 1980 إلى المرور بجوار أريحا، وذلك بعد تدشين الطريق الدولي المار بجوار المدينة، حيث تم فتح مطاعم على أطرافه لتبيع الشعيبيات للمسافرين”، بحسب قوصرة.
وما يلفت النظر في أريحا، كثرة محلات الحلويات في مدخل المدينة وشوارعها الرئيسية، التي تتضمن عدة أصناف وعلى رأسها الشعيبيات.
وخلال لقائنا مع صاحب محل لبيع الشعيبيات يدعى “أبو أحمد” البالغ من العمر 56 عاماً ويعيل خمسة أولاد ومن سكان المدينة، تعلم صناعة الشعيبيات من والده وجده وورَّثها لأولاده، يخبرنا عن حبه وشغفه لهذه المهنة بقوله: “أعمل بها منذ أربعين عاماً فهي تراث عائلتنا، وقد علمتها لأولادي الشباب الثلاثة، فهذا المحل عمره أكثر من 30 عاماً نصنع فيه الشعيبيات بكل حب ومتعة و نقدمها لزبائننا”.
تطورت صناعة الشعيبيات على مرور الزمن، فقديماً كانت النساء تصنعها لعائلاتها داخل المنازل، فهي من يقوم بالعجن والرق والتوريق، وكانت تشويها على التنور أو الفرن الحجري، محشوة بالقيمق والقشطة، وتمسد عجينها بالسمن العربي.
أما في عصرنا هذا كما يخبرنا “أبو أحمد” فإن “الشعيبيات أصبحت لها محلات خاصة بصنعها، حيث يتم شواؤها في فرن الكهرباء أو الغاز، وبالنسبة للحشوة فقد تفنن صانعوها في ذلك، فأحياناً يحشوها بالمكسرات كالفستق الحلبي والجوز واللوز أو بمشتقات الحليب كالقشطة والقريشة واللباء، ونستخدم السمن النباتي بدلاً عن السمن الحيواني لارتفاع ثمنه”.
تحتاج “الشعيبيات” إلى مهارة وإبداع وسرعة في مراحل تحضيرها، “أبو أحمد” يشرح لنا عن طريقة صنعها قائلاً: “بعد عجن الطحين في العجانة نقوم بتقطيعه إلى قطع كبيرة تزن الواحدة كيلو غرام تقريباً، لتبدأ مرحلة الرق على شكل طبقات مع دهنها بالسمن، ثم التوريق حيث يقوم الصانع بلف تلك الطبقات لقطعة صغيرة، ومن ثم نحشوها وندخلها في الفرن لشوائها، وبعد ذلك يرش عليها القطر والقرفة المطحونة وتقدم للزبائن وهي ساخنة”.
تتصدر الشعيبيات قائمة الحلويات في إدلب، فهي لا تقدم للأشخاص فقط بل أصبحت ضيافة أساسية في جميع مناسبات الأفراح.
الشاب ” فادي العلي” 27 عاماً، يسكن في المدينة ويعمل في ورشة تصليح سيارات، يقول: “في كل صباح وأنا في طريقي إلى عملي لا يمكنني مقاومة رائحة الشعيبيات وهي مصفوفة أمام المحلات وما تزال ساخنة، فأشتري قطعة لأتناولها بدل وجبة الفطور”.
على الرغم من ارتفاع سعر القطعة الواحدة إلى 15 ليرة تركية، إلا أنها ما تزال ملاذ محبيها الذين يرغبون في شرائها وتناولها كلما أُتيحت لهم الفرصة.