فاجعة إنسانية هزت مدينة “تفتناز” شرقي إدلب، يوم أمس الأحد، إثر وفاة الطفلة “كاتـرين جعفر”، 15 عاماً، انتحاراً جراء تناولها حبة “غاز الفوسفين” أو ماتعرف باسم حبة الغلة، وهي حبة شديدة السمية تؤدي إلى الوفاة فوراً بعد تناولها، وذلك بسبب عدم رضاها عن علامتها في الامتحانات.
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي، صورة عن رسالة كتبتها الطفلة لعائلتها تعبر عن حبها لهم، و شعورها بالتقصير اتجاههم ما دفعها إلى تناول حبة الغاز التي أودت بحياتها.
وفي التفاصيل التي نقلتها مراسلتنا عن مصادر مقربة من ذوي الطفلة، فإنها اشترت حبة الغاز من الصيدلية، بحجة تعقيم الحبوب في المنزل، إذ تتوفر المادة في الصيدليات والمحلات بيع المواد الغذائية، والصيدليات الزراعية، وتستخدم عادة في تعقيم الحبوب والحنطة، إلا أنها أصبحت تستخدم كأحد وسائل الانتحار.
وتحدث تقرير سابق لمنصتنا عن أضرار حبة الغاز قال “غياث محمد” أحد الصيادلة في ريف إدلب لنا: إن “حبة غاز الفوسفين الذي يسمى علمياً (فوسفيد النيتروجين)، شديد الخطورة إذ يتفاعل بعد دخوله إلى جسم الإنسان مع عصارة المعدة، وينتج عنه غاز سام، يتسبب في إتلاف الكبد وباقي أجهزة الجسم”.
وأشار إلى أن غاز الفوسفين يقوم بإيقاف جميع أجهزة الجسم ومعظم الحالات تنتهي بالوفاة، بسبب عدم وجود ترياق له أو دواء فعال، لذلك أطلق عليه “القاتل الصامت” لقدرته على إتلاف أجهزة الجسم دون وجود أي أعراض سريرية واضحة له، كما أن الحبة تعطي مفعولها بكميات قليلة جداً إذ يمكن أن تتفاعل مع الماء وتطلق “غاز الفوسفين” شديد السمية الذي يؤدي إلى الموت مؤكداً أن 500 ملغ منه وهي كمية صغيرة جداً كفيلة بقتل أي إنسان فور تناوله”.
وتعد حبة الغاز أرخص وأسرع وسيلة للانتحار حسب ما يشاع عنه، هذا ما أكده الصيدلاني “مال الطويل” في حديثه إلينا، وقال: إن” وجود المادة في محلات السمانة والصيدليات وعدم وجود ضوابط لبيعها في المنطقة، ورخص ثمنها، سهلت الحصول عليها تناولها من قبل الأشخاص”.
وأضاف أن هناك بيان من مديرية الصحة بعدم حيازة هذه المادة إلا للصيدلي الزراعي وأن لاتباع إلا لشخص بالغ عاقل، ولكنها غير مجدية، كونها لم تطبق بشكل فعلي مع عقوبة رادعة، وأكد على ضرورة القيام بحملة واسعة على محلات السمانة ومخالفة أي محل يبيع منها و اقتصار وجودها على الصيدليات الزراعية ولشخص بالغ عاقل فقط.
حيث أثار خبر موت الطفلة غضباً كبيراً في المنطقة، ومنهم من أرجع السبب إلى منظومة التعليم التقليدية التي تجعل الدرجات الامتحانية مقياس للذكاء والنجاح، والضغوط التي يمارسها الأهل على أولادهم لنيل العلامات التامة، وهذا ما جعل الدراسة والتفوق هاجساً مرعباً لكثير من الطلاب، وقد سجل العام الماضي حالة وفاة لطالب بكالوريا بسبب ذلك.
خلال تواصلنا في فريق الصحة النفسية العامل في إحدى المنظمات الطبية بمدينة إدلب أكد على ضرورة التوعية للأهالي خاصة أن هذه الحالة تتعلق بطفلة، وأثارت فضول وتساؤل باقي الأطفال عن طريقة الوفاة، وعن الأفكار الانتحارية، وغيرها من التفاصيل التي يجب الا يعلموها عنها شيء.
وقالت “نادية” عاملة توعية بالفريق: إن “هناك ضرورة لرفع الأصوات التوعوية والتشبيك مع الجهات المسؤولة و المعنية بالأمر منها الطبية والقانونية والتربية الإسلامية والأكاديمية أيضاً، مع ضرورة الحديث عن الوازع الديني، والتحلي بالصبر، للتخلي عن فكرة الانتحار، و مواجهة ضغوط الحياة بطريقة عقلانية”.
وفي ذات السياق تؤكد المرشدة النفسية “نجاح بالوش” أنه “علينا الوقاية من الانتحار عن طريق رفع مستوى التوعية والانتباه لأقوال وتصرفات الأشخاص ومساعدتهم في تخطي ضغوطاتهم النفسية، كي نساهم في تجنب دخول الشخص في أفكار وخطط انتحارية، لأن وصول الشخص لمرحلة اليأس والاكتئاب وأقصى حالات الضعف النفسي تؤدي إلى التفكير بالانتحار، ظناً منهم أنها الوسيلة الوحيدة للتخلص من تلك الضغوط وإنهاء معاناتهم”.
وأضافت أن في هذا المرحلة يجب على ذوي الشخص الذهاب إلى طبيب نفسي مختص لمعالجة المرض والعدول عن فكرة الانتحار، أو زيارة أقسام الصحة النفسية المتوفرة في كثير من المشافي.
وكشف تقرير لفريق منسقو استجابة سوريا منتصف العام الماضي عن ارتفاع عدد حالات الانتحار في شمال غربي سوريا، وسجلت حسب البيان 22 حالة بينها 11 حالة باءت بالفشل، فيما سجل عام 2022 الماضي 88 حالة ( 55 حالة انتحار، 33 حالة فاشلة).
وأشار التقرير إلى أن فئة النساء هي الفئة الأكبر في أعداد تلك الحالات لعدم وجود من يساعدهم على تخطي الصعوبات التي يعانون منها، واليافعين غير قادرين على التعامل مع المصاعب والضغوط المختلفة التي تواجههم، إضافة إلى حالة عدم الاستقرار والتي تشهد تزايدا ملحوظا في المنطقة نتيجة المتغيرات الكثيرة والدورية التي تشهدها كافة مناطق الشمال السوري.