مع بداية شهر أيلول يحمل “أبو عبدو” الفأس على كتفه، ويخرج من المنزل قاصداً مزرعته، يبدأ بتنظيف الأرض من بقايا خضار الصيف، ثم يجهزها لزراعة خضار الشتاء، فهو اعتاد منذ زمن طويل على تناول خضار طازجة ومن تعب يديه.
“أبو عبدو” 68 عام، معلم متقاعد يقيم في جبل الزاوية جنوبي إدلب، له تسعة أولاد، ورث من والده قطعة أرض كبيرة فبنى بها منزلاً وزرع بقيتها بأنواع مختلفة من الفواكه، وترك مساحة كافية لزراعة ما يحتاجه من الخضار، يحدثنا عن سبب اعتياده على تناول خضار من كد يمينه، فيقول: “أشعر بمتعة كبيرة عندما أعمل في أرضي وأتذوق ثمارها، فأنا لا أشتري خضاراً من السوق إلا عندما ينتهي موسمي”.
يرغب الكثير من أهالي الشمال السوري في الزراعة المنزلية، فهي تتميز عن بضاعة السوق بطعمها اللذيذ “خضاري لها نكهة رائعة فهي مزروعة في تربة حمراء وتُسقى بماء عذب أما خضار السوق فلا أعرف أين زُرعت وماذا شَربت، وخاصةً الخضار التركية فهي منظر بلا طعم”، حسب ما أضاف “أبو عبدو”.
تبدأ زراعة الخضار الصيفية في بداية الشهر الخامس، بعد أن تبدأ درجات الحرارة بالارتفاع ليكون الطقس مناسباً لها، تزرع “أم ياسر” التي تقيم في بلدة الرامي جنوبي إدلب، جميع أنواع الخضار الصيفية بما فيها (الخيار والبندورة والكوسا والفاصولياء والباذنجان)، تحدثنا عن طريقة زراعتها، فتقول: “أزرع البذور بعمق 2 سم، وأسقيها برشات خفيفة من الماء على مدة أسبوع تقريباً حتى تخرج من التربة، وبعد شهر أو أكثر تبدأ تعطيني ثماراً”.
ومع بداية شهر أيلول تجف الخضار الصيفية، ويبدأ المزارعون بحراثة الأرض وتجهيزها لزراعة خضار الشتاء، وهذا ما عملت عليه “أم ياسر” بمساعدة زوجها، حيث يقوم زوجها بحراثة الأرض وهي تغرس بذور (الفجل والسبانخ والخس والملفوف واللفت).
نزح آلاف السوريين من بيوتهم جنوبي إدلب، وتركوا من ورائهم أرضهم وبيتهم، وسكن قسم كبير منهم في مخيمات على الحدود التركية، “أم سمير” 43عاماً، نزحت مع عائلتها إلى مخيم قريب من مدينة سرمدا الحدودية، وبسبب اعتيادها على تناول الخضار من منزلها قامت بزراعة بعضها أمام خيمتها، تخبرنا عن تجربتها، فتقول: “زرعت أمام الخيمة مساحة متر تقريباً بقدونس، ومثلها نعناع، فأنا لا أستطيع تناول هذان النوعان إلا من عمل يدي”.
إضافة إلى نكهتها الخاصة والمميزة عن خضار الموجودة في السوق، فوجد بعض المزارعين أن هذه المشاريع الصغيرة هي أوفر بكثير من بضاعة السوق، “أبو عمر” 38 عاماً، متزوج ولديه خمسة أولاد، ويقيم في جبل الزاوية، اعتمد على زراعة الخضراوات بعد أن قام بتصليح أرضه وحفر بئر للمياه فيها، يحدثنا عن فرق المصروف بين زراعة البيت والشراء من السوق، فيقول: “كل يوم أنا بحاجة ما يقارب 30 ليرة تركية ثمن الخضار، وهذه الطريقة كلفني سعر البذار وأسمدة فقط، أي ما يقارب 150 ليرة تركية”.
والجدير ذكره أن الخضراوات تحتوي على كمية كبيرة من الماء وتساهم في ترطيب البشرة، أيضاً تساهم بعض الخضار التي تحتوي على الألياف في تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب والجلطات والسكري، وتقوي مناعة الجسم ضد أمراض السرطان، وتحمي أيضا من الإصابة بهشاشة العظام.