يجلس “أبو أحمد” خلف نوله الخشبي، بعد أن نشر الخيوط الصوفية عليه، يبدأ بطرق الخشبة بيديه لتتماسك الخيوط ببعضها البعض، فهو يستخدم هذه الآلة ليصنع بساطاً متكاملاً وبألوان متناسقة.
النول أو المِنسج هو آلة تدار يدوياً، تستخدم في نسج النسيج، تتكون أساساً من أجزاء خشبية يمكن بواسطتها أن تتعانق مجموعتا السدى واللحمة مع بعضها البعض لتكوين المنسوج.
“أبو أحمد” رجلٌ ستيني، أبٌ لخمسة أولاد يقيم في مدينة أريحا ويعمل في صناعة النسيج اليدوي منذ أكثر من 35 عاماً، تعلم هذه المهنة من والده، يقول: “كنت طفلاً عندما جلس أول مرة خلف هذه الآلة، كبرت وتعلقت بها فأصبحت جزءاً من الماضي وتراثاً أحافظ عليه من الزوال حتى آخر لحظة في حياتي”.
“يعود تاريخ هذه الحرفة إلى عهد الملكة زنوبيا عندما كانت تلبس القماش قبل ألفي سنة، كذلك الفراعنة الذين كانوا يلفون (المومياء) بالقماش، وهذا يعني أن هناك نول يدوي كان يصنع تلك الأقمشة قبل أربعة آلاف سنة”، حسب كلام “أبو أحمد”.
كانت هذه الصناعة رائجة بشكل كبير، اشتهرت مدينة أريحا بها، التي كانت تضم أكثر من عشرين مشغلاً وأكثر من 150 نولاً.
يستذكر “أبو أحمد” تلك الأيام الماضية ويقول: “كانت طرقات أخشاب النول تُسمع في الصباح الباكر من غالبية منازل المدينة لكثرة انتشارها، وكثرة الطلب على منتجاتها”.
تراجعت هذه الصناعة بشكل كبير جداً خلال سنوات الحرب في سوريا، وذلك بسبب “انتشار الصناعات الحديثة وقلة الطلب على المنتجات اليدوية وصعوبة تصديرها إلى دول الخليج والعراق والأردن، إضافة إلى ارتفاع سعرها مقارنة مع الصناعة الحديثة وقلة توفير المواد الأولية لها وإن توفرت فأسعارها مرتفعة”، حسب ما قال “أبو أحمد”.
قديماً كان حرفيو هذه المهنة يصنعون السجاد والبسط اليدوي الصوفي، أما الآن فقد اقتصرت هذه المنتجات على عدة أنواع بسيطة يحدثنا عنها “أبو محمد” 54 عاماً، أحد حرفيي هذه المهنة في مدينة أريحا، فيقول: “نصنع السجاد بكميات قليلة جداً عند الطلب فقط، إضافة إلى سرج الحصان وخرج الجمل وبعض الصمديات والحقائب”.
يرغب بعض أهالي الشمال السوري في امتلاك هذه المنسوجات في منازلهم لكن سوء الوضع الاقتصادي منعهم من ذلك.
تمكن “عدي” 35 عاماً، أبٌ لطفل واحد يقيم في مدينة إدلب من شراء سجادة حُبكت على النول لفرشها في غرفة الضيوف، بعد أن وفر ثمنها من راتبه وراتب زوجته، يحدثنا عن سبب إقباله على شرائها فيقول: “متانة الحياكة وجودة الخيط تجعلان القطعة تعيش لسنوات طويلة وربما يرثها أولادي من بعدي، إضافة إلى جمالها وجودتها وألوانها المتناسقة”.
ويأمل القائمون على هذه المهنة أن تتحسن الأسواق، ويعود الطلب على منتجاتهم إلى ما كان عليه، ليعود الحرفيون الذين تركوا المهنة إليها للاستمرار بها وتوريثها لأولادهم من بعدهم ليحافظوا عليها من الاندثار.