“محمد” يخرج العجينة الزجاجية من الفرن، ثم يضعها في طرف أنبوب فولاذي، ويبدأ بعملية النفخ من الطرف الآخر، حيث يشكل إبريق ماء، ثم يزينه برسوم النقوش والزخارف، ليخرج بعد ذلك بتحفة رائعة غاية في الجمال.
تشتهر مدينة “أرمناز” التي يعيش فيها “محمد” بصناعة الزجاج اليدوي، ويعود تاريخها إلى زمن الفينيقيين سكان المنطقة في عام 2500 ق.م، وذلك لتوفر الرمال الزجاجية في تربة المدينة، بالإضافة إلى وجود نبتة محلية تعرف باسم “القلة” والتي تساعد على تصفية الزجاج من الشوائب.
“محمد الجاني”، البالغ من العمر 40 عامًا، والأب لخمسة أولاد، يسكن في مدينة أرمناز، وهو صاحب معمل لصناعة الزجاج اليدوي في المدينة، تعلم هذه المهنة قبل عشرين عامًا على يد والده، ويشير إلى حبه وتعلقه بهذه الحرفة، مؤكدًا: “كبرت وأنا خلف الفرن أنفخ الزجاج وأزينه، حتى أصبحت هذه المهنة جزءًا مني”.
الزجاج اليدوي يتميز بجماله ودقة إتقانه عن الزجاج الصناعي، لكن هذه الحرفة اقتصرت على أنواع محددة من المنتجات الزجاجية بعد تراجع تسويقها، وتشمل “زجاج العقيق والأباريق والكؤوس الملونة وزجاجات الآراكيل، بالإضافة إلى منتجات أخرى حسب طلب الزبون أو الأسواق”، كما ذكر “محمد”.
صناعة الزجاج في إدلب تعتبر من المهن القديمة التي تراجعت بشكل كبير خلال سنوات الحرب في سوريا، ويشير “محمد” إلى بعض الأسباب، مثل: “إغلاق طرق التصدير إلى الدول الأوروبية وبعض الدول العربية، وتقليل التصدير إلى تركيا ولبنان، وانتشار المعامل الحديثة، وهجرة الحرفيين ونقص اليد العاملة”.
تعتمد معامل صناعة الزجاج اليدوي على مادة أساسية وهي الزجاج المكسور الذي يتم إعادة تدويره، حيث يتم تنظيف الزجاج من الشوائب وفرزه حسب لونه، ثم وضعه في الفرن بدرجة حرارة عالية تصل إلى 1000 درجة مئوية، لتتحول القطع المكسورة إلى عجينة سائلة مرنة يسهل تشكيلها.
“محمد” يروي مراحل تشكيل الأواني الزجاجية، قائلاً: “أخرج العجينة الزجاجية من الفرن وأشكل القطعة التي أريدها عن طريق النفخ باستخدام أنبوب فولاذي، وأحركها بالهواء بحركات سريعة حتى أحصل على الشكل المطلوب، ثم أرسم النقوش على القطعة باستخدام الألوان الحرارية وأغلفها بورق مقوى لتكون جاهزة للعرض في الأسواق”.
تحتاج صناعة الزجاج لأدوات بسيطة مثل الملاقط والقوالب النحاسية، بالإضافة إلى أنابيب النفخ بأحجام متعددة، كما أضاف “محمد”.
يواجه الوضع الاقتصادي السيء في شمال سوريا تحديات، حيث يفضل السكان المنتجات الصناعية الأرخص ثمناً على حساب المنت جات اليدوية، ويعود ذلك إلى ارتفاع سعرها مقارنة بالمنتجات الصناعية، حيث يتم بيع القطع اليدوية بسعر مضاعف عن أسعار المنتجات الصناعية.