“ريم” تحضر مناقشة رسالة الماجستير في كلية الشريعة بجامعة إدلب، بعد رحلة جامعية طويلة بدأت في عام 2009 وما زالت مستمرة حتى الآن.
ألقت ظروف الحرب، التي دامت 13 عاماً، ثقلها على فئات المجتمع المختلفة بما في ذلك النساء، حاولت الكثير منهن إثبات أنفسهن رغم كل المعاناة والظروف السيئة المحيطة بهن.
“ريم”، 35 عاماً، وأم لطفل واحد، تسكن في مدينة إدلب، دخلت كلية الشريعة في جامعة حلب وأمضت بها ثلاث سنوات، ثم بدأت معاناتها مع بداية الثورة السورية، تروي لنا سبب توقفها عن إتمام دراستها، فتقول: “نجوت بأعجوبة خلال حملة اعتقالات طالت الكثير من طلاب الجامعة، هذا الموقف المرعب جعلني أتخلى عن دراستي إلى أجل مسمى”.
فقدت الكثير من نساء الشمال السوري أزواجهن ومعيليهن الوحيدين خلال سنوات الثورة السورية، وهذا ما زاد معاناة “ريم” عندما اختطف زوجها في عام 2012، كان طفلها لا يتجاوز عمره الأربعين يوماً، تروي لنا تفاصيل تلك الحادثة، فتقول: “خرج زوجي من المنزل يبحث عن حليب لطفلي ولم يعد حتى الآن، لم أسمع عنه خبراً مؤكداً، يطفأ نار الحيرة في قلبي، منذ ذلك الوقت”.
مع افتتاح جامعة إدلب الحرة أقبل الكثير من الطلاب الذين كانوا يدرسون في جامعات النظام، إلى إتمام دراستهم في جامعات الشمال السوري، فكانت “ريم” أولى طالبات السنة الثالثة في كلية الشريعة، بذلت كل جهدها لتثبت نفسها وتحظى بدرجات عالية تمكنها من إتمام الدراسات العليا التي بدأتها برسالة الماجستير.
عاشت المرأة السورية خلال الحرب، أوجاعاً كثيرة ومختلفة، ألم الفراق كان إحدى تلك الأوجاع التي لا يمكن الشفاء منها، “عائشة”، 48 عاماً، معلمة رياضيات، وأم لأربعة أولاد، تسكن في مدينة معرة مصرين بعد أن هجرت من مدينتها داريا بريف دمشق قبل ست سنوات.
عاشت ألم الفراق عدة مرات، وفي كل مرة ألم مختلف ووجع أكبر، تروي لنا بعض أوجاعها حين بدأت دموعها تنهمر على خديها، فتقول: “قتل طفلي بين يدي، وهو في عمر السبع سنوات، عندما قصف النظام منزلنا قبل أن نهجر منه، ثم فقدت زوجي بجلطة قلبية نتيجة حزنه على طفلنا، تلاها تهجيرنا من بيتنا الذي أسسته مع زوجي حجاً فوق حجر، ليكون بيت أولادنا فيما بعد، لكن النظام المجرم حوله بعدة صواريخ إلى كومة ركام”.
لم تقبل “عائشة” الاستسلام رغم كل الظروف التي مرت بها، بل شقت طريقاً جديداً لها بعد أن استقرت مع أولادها في معرة مصرين، وفتحت مدرسة نموذجية خاصة، تضم المرحلة الابتدائية إضافة إلى الروضة والحضانة.
تحدثنا عن هذا الإنجاز، فتقول: “كنت صاحبة مدرسة خاصة قبل تهجرينا، فعملت على استرجاع ما فقدته رغم تغيير المكان والكادر، ونجحت في ذلك بعد مرور سنتين على الافتتاح”.
“وجعي لا يعلم به إلا الله، أبكي مراراً كلما تذكرت جثة طفلي بين يدي، لكنني ما زلت أماً لثلاثة شباب وهم بحاجة لأم قوية تقودهم إلى مستقبل أفضل رغم كل الظروف، وأنا أعمل كل جهدي على ذلك”، حسب ما أضافت “عائشة”.
لجأت معظم النساء في الشمال السوري إلى البحث عن فرص عمل تعيل بها عائلاتهن، وإثبات أنفسهن أنهن قادرات على العطاء دون الحاجة لأحد، رغم كل معاناتهن التي يعيشنها كل يوم.