عشرات الأشخاص من عمال المياومة في إدلب وريفها خسروا عملهم ومصدر رزقهم بشكل مؤقت منذ بداية شهر رمضان، بسبب توقف عدة أعمال مثل البناء وأعمال الإنشاءات ومهن أخرى خلال هذه الفترة، إذ يخف الطلب عليها بالوقت الذي تزيد أعباء المصاريف اليومية للأسرة.
يواجه “هاني السعيد” 32 عاماً، مهجر من ريف حلب إلى الشمال السوري، ظروفاً معيشية سيئة تفاقمت منذ بداية شهر رمضان إثر توقفه عن العمل في البناء، حيث يقل العمل في مهنة الإنشاءات كونها من الأعمال الشاقة التي تتطلب جهداً عضلياً كبيراً لا يقدر الصائم على بذله، يقول في حديثه إلينا: إنه “عاطل عن العمل منذ عشرين يوماً باستثناء أعمال عتالة خفيفة لا تتجاوز أجرتها 50 ليرة أحيانا، بالوقت الذي يحتاج ثمن خبز فقط لأسرته 30 ليرة يوميا!”.
يتشارك عشرات العمال معاناة تكاد تكون جماعية في الأجور المتدنية وقلة فرص العمل واستغلال أصحاب الأعمال لكثرة اليد العاملة في المنطقة، والتحكم بأجرتهم اليومية وفق مصالحهم، يؤكد “هاني” في حديثه إلينا أن صاحب العمل يقول دائماً “بدل العامل بجيب عشرة بنفس الأجرة” وهذا ما يجعلهم يرضون بأي أجر زهيد يعرض عليهم.
لا تتجاوز أجرة العمال في الشمال السوري عموماً 100 ليرة تركي أي ما يعادل 3 دولار فقط وهي غير كافية لإعالة الأسرة، إذ تحتاج العائلة بالحدود الدنيا 10 دولار يومياً لتأمين أبسط احتياجاتها، حيث يقصد العمال مهن مختلفة فمنهم من يعمل في المطاعم والأفران، ومحطات الوقود وغسيل السيارات، وبعضهم يذهب إلى المناطق الصناعية للعمل في تصليح وصيانة السيارات، وكثير منهم يعمل في ورشات البناء، وتتفق جميع تلك المهن بضياع حقوق العمال وتدني أجورهم، واستغلالهم بشكل واضح من قبل أصحاب العمل.
يقترح الخبير الاقتصادي “محمد سندة” في حديث سابق إلى منصة SY24 حلولاً لمنع استغلال العمال ولاسيما عمال المياومة إذ قال: إن “الحلول المقترحة بهذا الخصوص يجب أن يكون في شقين، الشق الأول وهو الزاوية الأخلاقية والتي تقع على عاتق صاحب العمل، بوجود رادع أخلاقي لمنع استغلال العمال، وذلك بإعطائهم حقوقهم المستحقة، التي تناسب الجهد والوقت المبذول في العمل، انطلاقها من الحديث الكريم “أعطِ العامل حقه قبل أن يجف عرقه” في إشارة واضحة إلى الالتزام بدفع أجرة العامل وعدم المماطلة بها كما يحدث في كثير من الأوقات.
وأضاف “سندة”، أما عن الشق الآخر فهو الجانب القانوني من حيث فرض التشريعات والقوانين التي تضمن حقوق العمال، وأشار إلى أن هذا الجانب مفتقد نوعا ما في الشمال السوري، إذ أنه من المفروض على الحكومات المعنية بالأمر أو المجالس المحلية، والجهات المسؤولة الاهتمام بموضوع العمال ومعرفة معايير تكاليف المعيشة، لوضع الحد الأدنى للأجور مع التركيز على أن تكون ملزمة من ناحية التطبيق، وعليها عقوبة في حال المخالفة، فضلاً عن المنارة من النقابات المحلية في حال وجودها، للضغط على الجهات ومحاسبتها، ودعم العامل من ناحية الأجور والإجازات، التعويضات في حال إصابات العمل
فضلاً عن ذلك شهدت بعض المهن ركوداً واضحاً في شهر رمضان، وخاصة الأعمال التي تتعلق ببيع الطعام والشراب فترة الصباح والبسطات الصغيرة التي تعتمد على البيع لطلاب المدارس و(أكشاك) القهوة السريعة والمشروبات الساخنة إذ يضطر أصحاب العمل إلى تخفيف عدد العمال لديهم لتقليل المصاريف والخسائر حسب ما أكده الأهالي.
هذه الحال الصعبة دفعت “هاني” وعشرات العمال الآخرين إلى الوقوف يومياً في الساحات العامة بمدينة إدلب بانتظار تصيد فرصة عمل حسب تعبيره، يقول مستعدين للعمل بأي شيء مقابل تأمين وجبة طعام لعوائلنا غير أن قلة فرص العمل وضعف الطلب على اليد العاملة جعلت “هاني” وغيره ضحية البطالة والحاجة والفقر، إذ تغيب النقابات والجهات الرسمية الضامنة لحقوق العمال في إدلب، ويقع العمال ضحية ظروفهم المعيشية السيئة والأجور المتدنية.