مع تكبيرات عيد الفطر المبارك، تصحو عائلة “أبو أحمد” باكراً، ويذهب برفقة أولاده الشباب إلى صلاة العيد، بينما تقوم نساء العائلة بترتيب البيت وطبخ القهوة العربية المرة، وتجهيز الضيافة استعداداً لاستقبال الضيوف.
هذه الطقوس السنوية يعيشها معظم الأهالي في الشمال السوري وهي عادات وتقاليد خاصة مرتبطة بأيام العيد، وإلى اليوم ما زالت حاضرة عند معظم الأهالي رغم الحرب والقصف والمأساة التي لحقت غالبيتهم، إلا أنهم ما زالوا يحافظون عليها ولم يتخلوا عنها.
يقيم الرجل الستيني “أبو أحمد” وهو أب لسبعة أولاد في إحدى قرى جبل الزاوية جنوب إدلب، اعتاد على ممارسة طقوس خاصة بأيام عيد الفطر والأضحى، وما تزال تلك الطقوس موجودةً في بيته رغم ما عاناه خلال الحرب من نزوح وعدم استقرار في السنوات الماضية.
يحز في قلبه أن يمضي أيام العيد دون وجود جميع أولاده قربه، يقول في حديثه إلينا “عائلتي تشتت ولم أجتمع بأحدهم منذ أكثر من عشر سنوات” حاله كحال معظم الأسر السورية التي فرقتها الحرب والهجرة والنزوح.
بعد صلاة العيد، يعود “أبو أحمد” ليتناول وجبة الإفطار مع عائلته، تلك هي عادة قديمة لا يمكنه تجاوزها حتى لا يصاب بألم في معدته إثر تناول الحلويات خلال زيارته المتتالية للأقارب والجيران.
يقول: إن “وجبة الإفطار أساسية بالنسبة لي ولعائلتي، يفضل أن تكون وجبة خالية من مشتقات الحليب، وتقتصر على الزيتون والزيت والزعتر، إضافة إلى كوب من الشاي الأحمر”.
يخبرنا عن طقوس العيد في القرية، يقول: إن صباح العيد يوجه المختار دعوة لزيارة مجلسه بعد صلاة العيد، ويلبي رجال القرية تلك الدعوة ويتوجهون إلى منزله، ويتبادلون التهاني والمعايدات والأحاديث فيما بينهم.
بعد أن يجتمع معظم رجال القرية، يقود مختارها وفد يشمل كافة هذه الرجال ويخرج بجولة إلى منازل القرية، تبدأ تلك الجولة من بيت المختار وتنتهي به، ليشاركوا أقاربهم وجيرانهم فرحة العيد ويحثون بعضهم على ضرورة زيارة الأرحام.
يحدثنا “أبو أحمد” عن أهمية هذه الاجتماعات الموسمية، يقول: “نجتمع كل عيد هذه الجمعة، تشمل شباب وكبار القرية، نتبادل الأحاديث والقضايا الاجتماعية في القرية، ونطرح مشاكل بعضها ونسعى لحلها”.
يشير “أبو أحمد” إلى أنه في أحد الأعياد وخلال هذا الاجتماع قرر رجال القرية بناء جامع آخر للقرية، وعلى إثر هذا القرار تم شراء أرض وتشكيل لجان تهتم وتتابع هذه الموضوع حتى تم إنجازه هذا المشروع بسرعة فائقة فهذه العادة كانت موجودة منذ عشرات السنين تموت أجيال وتحيا أخرى وهذا الاجتماع ما زال موجوداً، يتوارثه الأجيال عن بعضهم.
وعن قدم هذه العادة الجميلة، يقول: “منذ كنت طفلاً وأنا أعرف هذه العادة، وكثيراً ما كنت أرافق والدي في تلك الجولة”.
رغم الظروف الصعبة في الشمال السوري بسبب الحرب والنزوح، إلا أن الفرحة بالعيد تظل حاضرة في طقوس الأهالي.