أكملت “شهد” عامها الخامس عشر في بيت زوجها بأحد مخيمات الشمال السوري منذ أيام، وأصبحت زوجة صغيرة بمسؤوليات كبيرة في عمر مبكر، بدلاً من أن تكون طالبة في الصف التاسع مثل باقي أقرانها من الفتيات اللواتي في عمرها.
“شهد” مهجرة مع عائلتها من ريف حماه منذ سنوات، استقرت في تجمع مخيمات شمال إدلب تقول: إنها وكثير من الفتيات اليافعات كنّ ضحية ظروف الحرب والتسرب المدرسي والزواج المبكر والظروف المعيشية المتردية لأسرهن حيث دفعت العائلة إلى البحث عن سبل للهروب من مسؤولية الفتاة وتزويجها فور بلوغها رغم عدم قدرتها الجسدية والنفسية على الانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الزواج والأسرة، وذلك بدافع العادات والتقاليد الاجتماعية أو العشائرية التي عادت للظهور مجدداً خلال سنوات الحرب الماضية وكانت نتيجة طبيعية للنزوح وعدم الاستقرار.
تقول “شهد” في حديثها إلينا: إنها “تمنت لو كانت اليوم على مقعد المدرسة جانب صديقاتها، وكانت تطمح أن تصبح معلمة في المستقبل لكنها أُجبرت على الزواج من ابن عمها بناء على رغبة أبيها وجدها، دون أن يكون لها رأي في الموافقة أو الرفض”.
تخبرنا أن بُعد المدرسة عن مكان سكنهم في مخيمهم دفع والدها إلى تفضيل فكرة الزواج على إكمال التعليم ودفع نفقات إضافية على تأمين وسيلة النقل، فضلاً عن الحالة المادية المتردية لعائلتها فشهد الفتاة الثالثة في العائلة التي يتم إخراجها من المدرسة وتزوجها في عمر مبكر.
حيث دفعت سنوات الحرب الماضية في الداخل السوري كثيراً من الأسر إلى تزويج أبنائهم وبناتهم في سن مبكرة تبعاً العادات وتقاليد معينة تحكم البيئة الاجتماعية، فضلاً عن وجود أسباب أخرى، أهمها الوضع المادي، والفقر والنزوح، وأحيانا وفاة أحد الوالدين الذي يدفع الأسرة إلى التخلص من أعباء باقي الأفراد عن طريق تزويجهم ولاسيما الفتيات.
تقول: إن “شقيقتيها الكبيرتين تزوجتا بذات الطريقة وهنن بعمر صغير، وهما الآن أمهات ولديهن أطفال رغم أنهن لم يكلمن العشرين من عمرهن بعد، ولم يكملن تعليمهن أيضاً وهناك الكثير من الفتيات مثل حالهن في المخيم”.
إذ لا تتوفر في أغلب مخيمات الشمال السوري مدارس عامة مجانية للمرحلة الإعدادية والثانوية، مع وجود عدد قليل من المدارس الخاصة بأقساط مرتفعة، ما تسبب بحرمان عدد كبير من الطلاب والطالبات من إكمال تعليمهن.
ويعد الزواج المبكر والقسري للفتاة القاصر عنفاً ممارسة بحق الفتيات، أقرته الأمم المتحدة في بيان مشترك حول أنواع العنف ضد المرأة، وتمثل قضية تزويج القاصرات أحد أبرز أشكال التمييز ضدها، وظاهرة لها نتائج خطيرة على الفتيات، منها ارتفاع حالات الطلاق بسبب نقص الوعي العقلي والنضج الجسدي لتحمل الفتاة مسؤولية الزواج، ويعتبر الزواج (مبكراً) ، إذا كان في عمر أقل من 18 عام لكل من الزوجين أو أحدهم، غير أن الشائع في مجتمعنا هو تزويج الفتاة في سن مبكرة بعد حرمانها من التعليم.
وفي ذات السياق كشفت تقارير ودراسات عديدة، أن الحرب ساهمت بشكل مباشر بعد زيادة معدلات الفقر، والنزوح، بارتفاع حالات الزواج المبكر في تلك المناطق، ولاسيما بين الأهالي النازحين، بسبب الظروف الصعبة التي عاشوها خلال فترة نزوحهم، كما يعد الحرمان من التعليم أحد أبرز النتائج السلبية لظاهرة الزواج المبكر، وخاصة الفتيات، وبالتالي تصبح “الأم الصغيرة” غير مؤهلة على متابعة تعليم أطفالها في المستقبل.