تواجه المرأة السورية تحديات متعددة في ظل الظروف القاسية التي تعيشها البلاد منذ سنوات، من بين هؤلاء النساء تأتي قصة “فاطمة الحسن”، ابنة معرة النعمان، التي تعرضت حياتها لتغيرات جذرية بسبب الحرب والنزوح المتكرر.
“فاطمة” التي تبلغ من العمر 27 عاماً، هي أم لثلاثة أطفال، حلمها في متابعة تعليمها انقطع منذ عشر سنوات، حينما قصفت قوات النظام مدينتها، ما اضطرها وعائلتها للنزوح مرات عديدة، وهو ما أثر بشكل مباشر على تعليمها وتعليم أشقائها.
رغم كل هذه التحديات، لم تستسلم الشابة، تفوقها في المرحلة الإعدادية ورغبتها الدائمة في إكمال تعليمها كانا دافعين قويين لها للاستمرار في تحقيق حلمها، ورغم زواجها وإنجابها لثلاثة أطفال، لم تغب فكرة العودة إلى مقاعد الدراسة عن ذهنها.
تروي فاطمة في حديثها: “في أول فرصة أتيحت لي قبل عامين، عدت لدراسة الصف التاسع في المنزل، سجلت دورتين فقط للمواد العلمية، ودرست باقي المواد بنفسي في المنزل”، وفي النهاية حصلت “فاطمة” على مجموع بدرجة ممتازة، ما كان دافعاً إضافياً لها لإكمال الدراسة الثانوية.
لم تتوقف طموحاتها عند هذا الحد، بعد عام واحد قررت متابعة دراستها وسجلت في البكالوريا الفرع العلمي، إلا أن طريقها لم يكن سهلاً، واجهت صعوبات عديدة، أبرزها صعوبة المواصلات والنقل، إذ كانت تعيش في جنديرس وتدرس في معهد ببلدة أطمة شمال إدلب، و كانت تحتاج إلى ساعة تقريباً للوصول إلى المعهد، ومع تحملها لمسؤولية رعاية أطفالها الثلاثة، نقلتهم معها إلى مدرسة في أطمة، وحرصت على مرافقتهم ذهاباً وإياباً، لتوفق بين دراستها ودراسة أطفالها.
قصة “فاطمة” ليست فريدة من نوعها، فهناك الكثير من النساء في الشمال السوري اللاتي عدن إلى التعليم بعد انقطاع طويل بسبب الحرب والنزوح والتهجير، وتحدين الظروف الصعبة والزواج المبكر، وتحملن مسؤوليات الأسرة والأطفال، ورغم كل ذلك، استطعن تحويل التحديات إلى دوافع قوية لتحقيق النجاح.
إدارة الوقت وتحمل المسؤولية وترتيب الأولويات كانت من بين العوامل التي ساعدت “فاطمة” في التغلب على الصعوبات التي واجهتها، بالإضافة إلى ذلك، كان لتشجيع زوجها ودعم أهلها المستمر لها دور كبير في تحقيق حلمها، ورغم مرور الوقت وزيادة المسؤوليات، لم تتخلَّ فاطمة عن فكرة التعليم، التي كانت حلماً يراودها منذ طفولتها، حيث كانت من المتفوقات.
اليوم، وبعد سنوات من الكفاح والاجتهاد، نجحت فاطمة بمعدل جيد جداً يؤهلها للالتحاق بالجامعة، وهي بانتظار المفاضلة لمتابعة تعليمها، فاطمة الحسن ليست فقط مثالاً للشجاعة والصمود، بل هي نموذج للمرأة السورية التي أثبتت قدرتها على النجاح والتفوق رغم كل الظروف.
تثبت قصة السيدة وغيرها من النساء السوريات أن الإرادة القوية والعزيمة الصلبة قادرتان على تجاوز أصعب الظروف وتحقيق الأحلام، فهي لم تستسلم لليأس، بل حولت ألم الحرب ومعاناتها إلى قوة دافعة لمواصلة مشوارها التعليمي، مقدمةً بذلك مثالاً يحتذى به للنساء اللواتي يسعين لاستعادة حقوقهن ومكانتهن في المجتمع.