في ظل الأزمة الإنسانية التي تشهدها مناطق شمال شرق سوريا، تتواصل الجهود الرامية إلى دعم اندماج العائدين من مخيم الهول في المجتمعات المحلية.
وتبرز منظمة الجودة والبحث والتطوير (QRD) كإحدى الجهات الفاعلة الرئيسية في هذا المجال، حيث تعمل منذ عامين على تنفيذ مشاريع متنوعة في محافظتي الرقة والحسكة، إضافة إلى عدد من المنظمات المحلية الأخرى العاملة في هذا الشأن.
مشاريع تمكين النساء العائدات
في شهر حزيران الماضي، أقامت منظمة QRD، بالتنسيق مع مركز الرعاية الاجتماعية التابع لهيئة الشؤون الاجتماعية والكادحين في مدينة الرقة، معرضاً للتسويق شمل قسماً من المجتمع المضيف وعدداً من النساء العائدات من مخيم الهول، واللواتي أصبح يُطلق عليهن اسم “عائدات للحياة”.
وقد أكد عدد من أبناء المنطقة أن هذا المعرض يعد فرصة مهمة للنساء العائدات لعرض منتجاتهن اليدوية وبيعها، مما يتيح لهن الحصول على مصدر دخل ثابت يساعدهن على إعادة بناء حياتهن وتحسين ظروفهن المعيشية.
وفي إطار الجهود المتواصلة، اختتمت المنظمة في الشهر ذاته فعاليات معرض “عائدات للحياة” الذي استمر لمدة ثلاثة أيام. وقد أثبت المعرض نجاحه الكبير في تحقيق أهدافه المتمثلة في دعم وتمكين النساء من خلال توفير فرصة لهن لعرض منتجاتهن اليدوية وبيعها، مما يساعدهن على تحسين دخلهن وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
مشاريع التدريب المهني في دير الزور
في خطوة أخرى نحو تعزيز فرص الاندماج الاقتصادي، أطلقت منظمة QRD في شهر أيار الماضي مشروعاً في مدينة هجين بريف دير الزور الشرقي، ويهدف المشروع إلى دمج النساء العائدات من مخيم الهول بالمجتمع المحلي وتحقيق دخل ثابت للعوائل الأكثر حاجة.
وقدّم المشروع الذي استقطب 15 سيدة، دورات تدريبية مكثفة في مهنة “الكوافيرة”، بهدف تمكين المستفيدات من فتح مشاريع خاصة بهن أو العمل في صالونات التجميل.
مبادرة منكم وفيكم
لا تقتصر جهود دعم العائدات من مخيم الهول على منظمة QRD بل تمتد إلى منظمات عاملة أخرى، وفي شهر تموز/يوليو الماضي انطلقت حملة “منكم وفيكم”، بهدف دمج النساء العائدات من مخيم الهول في المجتمع المحلي بريف دير الزور شرق سوريا.
وشارك في هذه المبادرة عدة منظمات، منها منظمة طيف الإنسانية، ومنظمة ساهم للتعاون والتنمية، ومنظمة جيان، وشباب تفاؤل، وزورنا، وتنمية بلا حدود، والبركة، ومعاً لأجل النسوية، وأخيراً منظمة أصوات السلام.
وكانت البداية مع مبادرة أطلقتها منظمة “لأجل النسوية” تتضمن تقديم جلسات للدعم النفسي الاجتماعي، حيث اعتمدت على النظرية السلوكية المعرفية والعلاج السلوكي الجدلي.
وهدفت هذه الجلسات إلى مساعدة المشاركات على التحكم في عواطفهن وردود أفعالهن، وتطوير مهاراتهن في حل المشاكل الاجتماعية، مما يسهم في اندماجهن مع المجتمع.
كما نفذت منظمة طيف الإنسانية بالتعاون مع منظمة ساهم للتعاون والتنمية جلسات ضمن إطار الحملة، ركزت على تعزيز دعم وتمكين النساء العائدات.
وأعرب القائمون على حملة “منكم وفيكم”، عن توقعاتهم بأن تساهم بشكل فعال في تحسين ظروف النساء العائدات من مخيم الهول ودعم اندماجهن في المجتمع السوري.
ويعود الفضل في نجاح هذه المبادرات، إلى الدور الكبير الذي تلعبه منظمات المجتمع المحلي في دعم النساء العائدات من مخيم الهول، من خلال توفير خدمات متنوعة لهن، بما في ذلك الدعم النفسي والاجتماعي، والتدريب على مهارات جديدة، والمساعدة في الحصول على فرص العمل، والدعم القانوني، ورعاية الأطفال.
منتدى ثقافي ونشاط ترفيهي
اللافت للانتباه إلى جانب الدورات التدريبية، التركيز على مشاركة العائدات من الهول في فعاليات ثقافية مميزة برفقة أبنائهن، ومؤخراً، نظمت منظمة “الغيث للتنمية” المنتدى الحواري الثقافي الثاني تحت عنوان “التماسك المجتمعي” ضمن إطار حملة “حكايا”، وشارك في هذا المنتدى عشرون سيدة، نصفهن من العائدات من مخيم الهول والنصف الآخر من المجتمع المحلي.
وأجمع القائمون على هذه الفعالية إلى جانب عدد من سكان المنطقة، على أن هذا المنتدى يعتبر خطوة إيجابية نحو تعزيز التماسك المجتمعي وبناء مجتمع أكثر انفتاحاً وتسامحاً.
وسبق هذه الفعالية، تنظيم مركز الرعاية الاجتماعية في مدينة الرقة، مبادرة ترفيهية تهدف إلى دمج الأطفال الخارجين من مخيم الهول مع المجتمع المحلي.
وحسب هيئة الثقافة التابعة لمجلس الرقة التنفيذي، شارك في البرنامج 18 طفلاً وطفلة، بعضهم من الخارجين من مخيم الهول والبعض الآخر من المجتمع المضيف.
نساء الهول يشاركن بأعمال تطوعية
ومنتصف شهر آب/أغسطس الجاري، شهدت مدينة الرقة حدثاً لافتاً، تمثل في مشاركة مجموعة من السيدات العائدات من مخيم الهول في مبادرة تطوعية شبابية لتنظيف سرير نهر الفرات.
وجاءت هذه المبادرة ضمن إطار حملة أوسع للنظافة أطلقتها بلدية الشعب في الرقة بالتعاون مع منظمات المجتمع المحلي، حسب بيان صادر عن البلدية.
وتهدف المبادرة التطوعية بشكل عام إلى: تحسين البيئة المحلية وتنظيف نهر الفرات، ورفع مستوى الوعي البيئي بين السكان المحليين، وتعزيز روح التطوع والعمل الجماعي، ودمج العائدات من مخيم الهول في المجتمع المحلي.
وقد لاقت هذه الجهود ترحيباً من قبل الأهالي في المنطقة، مما يشير إلى وجود دعم مجتمعي لعملية إعادة الدمج، إذ يعتبر هذا الدعم المجتمعي عاملاً حاسماً في نجاح برامج إعادة التأهيل والدمج.
التحديات التي تواجه العائدين
ورغم هذه الجهود، يؤكد مصدر خاص لمنصة SY24 أن اندماج العائدين من مخيم الهول لا يزال يشكل تحدياً إنسانياً واجتماعياً، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها محافظة دير الزور.
ويشير المصدر إلى وجود تفاوت في سرعة الاندماج بين العائدين من شرق الفرات وغربه، حيث يبدو أن اندماج العائدين من شرق الفرات أسرع نسبياً.
العقبات الاقتصادية والنفسية
تشكل الصعوبات الاقتصادية عائقاً كبيراً، حيث فقد غالبية العائدين مصادر رزقهم وتعرضت منازلهم وممتلكاتهم للدمار خلال النزاع، كما يعاني العديد من العائدين من صدمات نفسية عميقة نتيجة الأحداث التي مروا بها، إضافة إلى الذكريات السيئة المرتبطة بوجودهم في المخيم، مما يؤثر على قدرتهم على الاندماج في المجتمع.
الحاجة إلى تكثيف الجهود
ومع ذلك، تواجه هذه الجهود تحديات إضافية تتمثل في نقص التمويل اللازم لتنفيذ البرامج، وتأثير الاستقطاب السياسي في المنطقة على عملية الاندماج، إضافة إلى استمرار خطر التطرف الذي يهدد جهود إعادة الاستقرار.
وتبقى الحاجة ملحة لتكثيف الجهود وتوفير الموارد اللازمة لدعم هذه الفئة الضعيفة وتمكينها من إعادة بناء حياتها والمساهمة بشكل إيجابي في مجتمعاتها المحلية.