أثار خبر اعتقال الدكتور “زهير خير بك” مؤخراً من مزرعته في بلدة كسب بريف اللاذقية، على يد فرع المخابرات العسكرية التابع للنظام السوري، حالة من الغضب والجدل الواسعين في الأوساط العلوية وفي منطقة الساحل السوري عامة، ويُعدّ “خير بك” شخصية بارزة في المنطقة، ويحظى بشعبية واسعة، مما زاد من حدة التوترات والانتقادات ضد السلطات.
واتهم النظام الدكتور زهير وابن عمه، التاجر “إياد خير بك”، الذي اعتُقل معه، بالقيام بأنشطة مشبوهة وتحركات معادية للسلطة في البيئة الحاضنة لهما، إلى جانب اتهامات بالتواصل مع جهات خارجية، هذه الاتهامات أثارت تساؤلات حول مدى صدقيتها، خاصة أن الشخصيات المعتقلة معروفة بسمعتها الحسنة ونشاطها المجتمعي، مما يزيد من تعقيد القضية ويثير الريبة حول نوايا النظام.
مصادر محلية أوضحت أن السلطات حذرت عائلة المعتقلين من إثارة القضية في الإعلام، أو التحدث عنها علناً، وسط تكتم شديد حول أسباب ودوافع الاعتقال، ويعزو البعض هذا التكتّم إلى الشعبية الكبيرة التي يحظى بها الطبيب زهير خير بك، الذي سبق أن شغل منصب نقيب أطباء اللاذقية، ولديه سجل حافل بالأعمال الخيرية.
هذه الشعبية، دفعت النظام إلى الحذر من تبعات الإعلان عن اعتقاله، خصوصاً وأن الطائفة العلوية التي ينتمي إليها تشكل قاعدة دعم أساسية للنظام في الساحل السوري، وقد تلقت عائلة المعتقلين تهديدات مباشرة من أجهزة الأمن بعدم الكشف عن تفاصيل الاعتقال، في إطار سياسة قمعية تهدف إلى إسكات أي صوت معارض، حتى وإن كان من داخل بيئة النظام نفسه.
وفي تطور متصل، شهدت مدينة اللاذقية حملة اعتقالات واسعة شنتها قوات النظام خلال الفترة الأخيرة، حيث طالت شخصيات بارزة في المجتمع المحلي، بما في ذلك منطقة القرداحة، من بين المعتقلين أيضاً الدكتور “أحمد مظهر الصوفي”، صاحب مشفى الصوفي في اللاذقية، وعدد آخر من الشخصيات البارزة، هذه الاعتقالات تعكس نهجاً واضحاً من النظام في استهداف كل من يُعتبر خطراً محتملاً، بغض النظر عن مدى انتمائه للنظام أو الطائفة الحاكمة.
في هذا السياق، أصدرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” بياناً أدانت فيه بشدة حملة الاعتقالات التي ينفذها النظام السوري، مشيرةً بشكل خاص إلى اعتقال الطبيبين والتاجر، وطالبت الشبكة بالإفراج الفوري عنهم، وتعويضهم مادياً ومعنوياً عن الأضرار التي لحقت بهم، كما حذرت من استمرار استهداف الكوادر الطبية في مناطق سيطرة النظام، مشيرة إلى أن هذا النوع من الاعتقالات يعد انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية وحقوق الإنسان.
ووفقاً لتقرير صدر عن الشبكة يوم أمس، فإن هذه الاعتقالات ليست إلا جزءاً من سياسة منهجية يتبعها النظام لقمع كل الأصوات المعارضة، بغض النظر عن الطائفة أو الانتماء العرقي.
وأشارت الشبكة إلى مخاوف حقيقية من تعرض المعتقلين للاختفاء القسري، وهو نهج متبع من قبل النظام السوري لاحتجاز الأشخاص دون محاكمة أو توجيه اتهامات واضحة، وغالباً ما يتعرض المعتقلون في هذه الحالات للتعذيب الممنهج بهدف انتزاع اعترافات قسرية أو لمعاقبتهم على مواقفهم أو أنشطتهم السياسية.
تأتي هذه الحملة في إطار تصاعد حالة القمع التي يمارسها النظام ضد كل من يُشكل تهديداً ولو طفيفاً على سلطته، كما تعكس الاعتقالات الجارية مدى هشاشة النظام الذي يواجه انتقادات حتى من داخل بيئته الحاضنة، مما يبرز مدى عمق الأزمة السياسية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع السوري.