في ظل سنوات الحرب والنزوح المستمر، ازدادت ظاهرة الزواج المبكر في الشمال السوري، حيث أصبحت كثيراً من العوائل تلجأ إلى تزويج بناتها في سن صغيرة هرباً من الفقر أو بسبب غياب أحد الوالدين, هذه الظاهرة التي تشكل انتهاكاً لحقوق الفتيات، تتسبب في حرمانهن من التعليم وتؤدي إلى مشكلات اجتماعية وصحية خطيرة.
بيان، فتاة يتيمة تبلغ من العمر 14 عاماً، تعيش مع والدتها وأشقائها في مخيمات البردقلي شمال إدلب، اضطرت والدتها للموافقة على تزويجها مبكراً في هذا العمر الصغير بسبب الظروف المعيشية الصعبة.
تقول والدتها: “لم أعد أستطيع تحمل مسؤولية خمسة أطفال وحدي بعد وفاة والدهم، لذا قبلت بتزويج بيان لتخفيف العبء رغم أنني كنت أتمنى لها مستقبلاً أفضل”، هذه الكلمات تلخص معاناة العديد من الأمهات في الشمال السوري اللواتي يجدن أنفسهن مضطرات لاتخاذ قرارات صعبة حفاظاً على ما تبقى من استقرار أسرهن.
الظروف الاقتصادية تدفع الفتيات نحو الزواج المبكر في الشمال السوري:
دفعت الحرب العديد من الأسر إلى تزويج بناتهم في سن مبكرة، نتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية والفقر المتزايد، كما أن غياب التعليم، خاصة في المخيمات التي لا تتوفر فيها مدارس عامة للمرحلتين الإعدادية والثانوية، أدى إلى حرمان العديد من الفتيات من إكمال تعليمهن، ما جعل الزواج المبكر الخيار الوحيد المتاح في بعض الأحيان.
تقول الحقوقية “أسماء النعسان”، المتخصصة في حماية حقوق الطفل لمراسلة SY24: إن “الزواج المبكر للفتيات القاصرات يعد أحد أشكال العنف والتمييز ضدهن، وغالباً ما يؤدي إلى الطلاق المبكر وزيادة العنف الأسري”.
الحرمان من التعليم:
تؤكد التقارير أن الزواج المبكر يؤدي إلى حرمان الفتيات من التعليم، وهو ما يتسبب في انعكاسات سلبية طويلة الأمد، فالفتيات اللواتي يتزوجن في سن مبكرة لا يملكن النضج العقلي والجسدي لتحمل مسؤولية الزواج وتربية الأطفال، تقول “أسماء النعسان”: إن “الأم الصغيرة غالباً ما تجد نفسها غير مؤهلة لتعليم أطفالها، ما يؤدي إلى استمرار دائرة الجهل والفقر في المجتمع”.
الآثار النفسية والاجتماعية للزواج المبكر في الشمال السوري:
تشدد “أسماء” على الآثار السلبية للزواج المبكر، مشيرة إلى أن الفتيات والذكور المتزوجين في سن صغيرة يُحرمون من مرحلة الطفولة والمراهقة، وهو ما يجعلهم يحاولون استرجاع هذه الفترة لاحقاً من خلال التخلي عن مسؤوليات الأسرة أو اللجوء إلى علاقات غير شرعية، هذه الظاهرة تؤدي إلى زيادة معدلات الطلاق وتفكك الأسر، مما يفاقم المشكلات الاجتماعية في المجتمع.
تشكل ظاهرة الزواج المبكر في الشمال السوري تحدياً كبيراً أمام الجهود المبذولة لحماية حقوق الفتيات وضمان مستقبلهن، فالفقر والنزوح والحرمان من التعليم تدفع العديد من الأسر إلى اتخاذ قرارات تؤدي إلى آثار كارثية على المجتمع بأسره، تحتاج هذه القضية إلى تدخل عاجل من قبل المنظمات الإنسانية والدولية لوقف هذا الانتهاك لحقوق الفتيات وإيجاد حلول تضمن لهن مستقبلاً آمناً ومستقراً.