يشهد الشمال السوري تصعيداً عسكرياً روسيا ومن قوات النظام السوري بشكل غير مسبوق، حيث شنت القوات الروسية هجمات متتالية على مناطق في ريفي إدلب وحلب، مما أسفر عن سقوط ضحايا مدنيين وإلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية.
ووفقاً لتقرير صادر عن الدفاع المدني السوري، فإن هذه الهجمات المستمرة تمثل “رسائل مكتوبة بالدماء” للمجتمع الدولي، وتؤكد استمرار القتل والجرائم ضد المدنيين في إطار سياسة ممنهجة تهدف إلى تهجير السكان وترسيخ النفوذ الروسي في المنطقة.
وأودى قصف مدفعي لقوات النظام، أمس الثلاثاء، بحياة شاب يبلغ من العمر 23 عاماً، كما أصيب 8 مدنيين آخرين، بينهم طفلان وشابة وامرأة، بجروح متفاوتة الخطورة في مدينة الأتارب غربي حلب، وامتد القصف ليطال مدينة دارة عزة في الريف نفسه، دون ورود تقارير عن إصابات.
وفي تطور خطير، استهدفت الغارات الجوية الروسية محطة كهرباء الكيلاني في منطقة عين الزرقا بريف دركوش غربي إدلب، مما أدى إلى إصابة عاملين من طاقم التشغيل واندلاع حريق في المحطة وخزانات الوقود.
ونتيجة لذلك، خرجت المحطة عن الخدمة، محرومة عشرات البلدات والقرى في سهل الروج من إمدادات مياه الشرب الحيوية.
ولم يقتصر التصعيد على هذه الحوادث، إذ شهد يوم الإثنين، إصابة 8 مدنيين بينهم طفلان، في قصف صاروخي استهدف الطريق الواصل بين قريتي أم عدسة وجب النعسان في ريف حلب الشرقي.
وتشير إحصائيات الدفاع المدني السوري إلى أن الهجمات منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية أيلول/سبتمبر الماضي بلغت 698 هجوماً، أسفرت عن مقتل 66 مدنياً، بينهم 18 طفلاً و8 نساء، وإصابة 272 آخرين.
وأكد الدفاع المدني على أن استمرار هذه الجرائم يفاقم من حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها السوريون منذ أكثر من 13 عاماً، ويهدد حياتهم ويجبرهم على النزوح، كما يعيق ممارستهم لأنشطتهم اليومية ويحرمهم من الوصول إلى الخدمات الأساسية.
ودعا الدفاع المدني المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لوقف هذا التصعيد ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، محذراً من أن غياب المساءلة قد ساهم في تصاعد العنف واستخدام أسلحة جديدة ضد المدنيين.
وفي هذا الصدد، قال الناشط الطبي والإغاثي مأمون سيد عيسى لمنصة SY24: “ما يجري هو استمرار لعدم التزام الروس باتفاق خفض التصعيد مع الأتراك، وهو تنبيه لعدم القيام بأي تحرك عسكري وإعطاء رسالة أن الطيران الروسي جاهز ليقصفكم في حال أي تحرك”.
وأضاف أن “اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا الذي تم التوصل إليه بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعود إلى آذار/مارس 2020، حيث جاء الاتفاق بعد تصاعد التوترات والاشتباكات في محافظة إدلب السورية، حيث كانت قوات النظام السوري المدعومة من روسيا، تقاتل المعارضة السورية المدعومة من تركيا، وفي 5 آذار/مارس 2020، التقى أردوغان وبوتين في موسكو، وأسفر اللقاء عن اتفاق لوقف إطلاق النار في إدلب، حيث أبرز النقاط التي تم الاتفاق عليها كانت وقف إطلاق النار وتم الاتفاق على وقف جميع الأعمال العدائية بين الأطراف المتنازعة في إدلب بدءًا من منتصف الليل في 6 آذار/مارس 2020، ولكن هذا البند لم تلتزم به روسيا والنظام فالقصف الروسي يعود كل فترة”.
وتابع، أن الاتفاق شمل على أن يكون هناك ممر آمن، أي إنشاء ممر آمن يمتد 6 كيلومترات شمال وجنوب الطريق السريع M4، وهو طريق استراتيجي يربط بين اللاذقية وحلب، وهذا يطالب به الروس ويضغطوا بالقصف لتطبيقه لكن فصائل المعارضة لا يمكن أن تقبل به لأن الخط المذكور يصبح على بعد 10 كم من مدينة إدلب وخسارة المزيد من الأراضي في الممر المذكور”.
وتضمن الاتفاق أيضاً تسيير دوريات مشتركة “روسية- تركية” مشتركة على طول الطريق السريع M4 لفرض السيطرة على الممر الآمن وضمان استمرار وقف إطلاق النار، وهذا البند حاول الأتراك تطبيقه لكن أيضا تم رفضه من فصائل المعارضة ولا يمكن تطبيقه قسرا حيث يمكن لهذه الدوريات أن تتعرض للاستهداف على جانبي الطريق من فصائل المعارضة، ولذلك لم يطبق هذا البند، حسب كلام سيد عيسى.
وختم قائلاً: “في النتيجة، لن يعطي الضغط الروسي نتيجة في تطبيق الاتفاق خاصة مع عدم التزام الروس والنظام بتطبيق البند الأول، وهذا الاتفاق كان جزءًا من سلسلة اتفاقيات تهدف إلى إدارة الصراع في سوريا وتجنب مزيد من التصعيد بين القوات التركية والسورية، ولكن التحديات على الأرض كانت تجعل تنفيذه معقدًا، مع استمرار التوترات في بعض المناطق”.
وفي ظل هذه التطورات المقلقة، حسب الدفاع المدني السوري، يبدو أن الوضع في الشمال السوري يتجه نحو مزيد من التدهور، مع استمرار الهجمات وتزايد المخاوف من توسع نطاق العمليات العسكرية.