تشهد بلدة زاكية في ريف دمشق الجنوبي منذ يومين توتراً أمنياً غير مسبوق، حيث فرضت قوات النظام السوري حصاراً محكماً على البلدة، في تطور يعيد إلى الأذهان سيناريوهات مماثلة شهدتها مناطق أخرى في سوريا، مثل مدينة تلبيسة في ريف حمص الشمالي.
تفاصيل الأحداث:
في التفاصيل، بدأت الأحداث الأخيرة مساء يوم السبت، عندما أقدمت دورية أمنية تابعة لقوات النظام السوري على اعتقال شابين من البلدة، وحسب المصادر المحلية فإن الدورية المتمركزة عند “حاجز الزيتي” التابع للفرقة السابعة قامت بإطلاق النار على الشابين قبل اعتقالهما، في حين لا يزال مصيرهما مجهولاً، بحسب ناشطين.
وأشعل هذا الحادث فتيل التوتر في البلدة، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة بين قوات النظام ومسلحين محليين، وفي خضم هذه الاشتباكات، وردت أنباء غير مؤكدة عن اغتيال المدعو “حسن غدير”، وهو قائد مجموعة في ميليشيا “الفرقة الرابعة” التابعة لقوات النظام السوري.
ويُعرف غدير بنشاطه في تجارة المخدرات، كما أنه شارك في اقتحام سابق لبلدة زاكية قبل شهرين، مما أدى في حينها إلى إحراق منزله ومقراته من قبل السكان الغاضبين.
استنفار عسكري وتعزيزات كبيرة:
وفي أعقاب هذه الأحداث، قامت قوات النظام باستنفار عناصرها في المنطقة وإرسال تعزيزات عسكرية كبيرة إلى أطراف البلدة، حيث تضمنت هذه التعزيزات آليات ثقيلة، مما يشير إلى احتمال التحضير لعملية عسكرية واسعة النطاق.
حصار خانق:
ونتيجة لهذا التصعيد، فرضت قوات النظام حصاراً محكماً على بلدة زاكية، مانعة الأهالي من الدخول والخروج، وقد أدى هذا الحصار إلى شلل شبه تام في الحركة التجارية داخل البلدة، مما فاقم الأوضاع المعيشية الصعبة أصلاً للسكان المحليين.
وتكتسب بلدة زاكية أهمية استراتيجية كبيرة نظراً لموقعها الجغرافي، فهي تقع على مقربة من العاصمة السورية دمشق ومن منطقة خان الشيح، التي شهدت في السابق معارك عنيفة قبل أن يستعيد النظام السيطرة عليها، وقد سبق للنظام أن سيطر على زاكية في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 بعد اتفاق مع لجنة التفاوض المحلية، مما أدى في حينها إلى خروج مقاتلي المعارضة من البلدة.
خطر التصعيد:
وتأتي هذه الأحداث في سياق أوسع من التوترات المتصاعدة في الجنوب السوري، وخاصة في محافظة درعا، ويخشى الأهالي والمراقبون من أن يؤدي اقتحام زاكية إلى تصعيد واسع النطاق قد يمتد إلى مناطق أخرى، مما قد يقوض حالة الاستقرار الهشة في المنطقة بأكملها.
وحول ذلك، أكد الناشط السياسي والحقوقي، عبد الناصر حوشان لمنصة SY24: “أن هذا التصعيد يأتي في إطار محاولة النظام السوري لمنع تمدد ظاهرة خطف الضباط ومبادلتهم بمعتقلين، على غرار ما يحدث في محافظتي السويداء ودرعا”.
وأضاف: “يبدو أن النظام يسعى إلى فرض سيطرته الكاملة على المنطقة وإخماد أي مقاومة محلية، مستخدماً سياسة (التجويع أو الركوع) التي اتبعها سابقاً في مناطق أخرى”.
مصادرة ممتلكات المعارضين:
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأحداث تتزامن مع سياسة أوسع يتبعها النظام السوري لمصادرة ممتلكات المعارضين، فقد شهدت زاكية في بداية العام الجاري بدء تنفيذ قرارات الحجز على ممتلكات أكثر من ألف شخص، وذلك بناءً على قرارات وزارة المالية وتشريعات النظام.
ومع استمرار الحصار، يتفاقم الوضع الإنساني والمعيشي لسكان بلدة زاكية بشكل متسارع، فقد أدى الحصار إلى نقص في المواد الغذائية والطبية الأساسية، كما تعطلت معظم الأنشطة الاقتصادية في البلدة، حيث يخشى السكان من احتمال امتداد الحصار لفترة طويلة، مما قد يؤدي إلى كارثة إنسانية.
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي، فراس السقال لمنصة SY24: “إن بلدة زاكية من البلدات التي ثارت ضد النظام السوري في بداية الثورة السورية، حيث انضمت إلى أخواتها من المدن الثائرة، وتعدّ منطقة استراتيجية للثورة فهي صلة الوصل بين قلب العاصمة دمشق ومهد الثورة درعا ومحافظة القنيطرة، ولقد حاول النظام اختراقها أكثر من مرة لإخضاعها عبر سياسة الحصار والتجويع والاعتقال إلى أن تمت السيطرة عليها في عام 2016”.
وتابع: “لكن سيطرة النظام على هذه البلدة الأبية لم يجعلها راضخة له بشكل تام، فهي كباقي البلدات والقرى بل والمدن السورية الحرة تغلي من تحت الرماد، فلا تلبث أن تجد فرصة سانحة حتى تنقضّ فيها على النظام وأجهزته”.
وزاد قائلاً: “أما بالنسبة لحملات الاعتقال الجائرة فهذه السياسة ما زالت تجري على قدم وساق، ليس مع أبناء زاكية فحسب، بل على جميع الجغرافية السورية، فهو لا يملك إلا هذه الممارسات الظالمة، والنظام يحاول بشتى الوسائل إخضاع الأحرار واستفزاز أصحاب التسويات الذين أُجبروا على الاتفاق مع النظام، ووراء هذه الاستفزازات هي عناصر إيران وحزب الله اللبناني فهما حليفان للنظام عموماً لا سيما الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد الذي يعمل بالقرار الإيراني أكثر من خضوعه لأخيه، ولا أستبعد أن تكون هذه الأحداث على خلفية تصاعد الخلافات بين ماهر وبشار حول التواجد الإيراني في سورية، والذي يجري في زاكية هو امتداد لما يجري في درعا فعمليات الاغتيال والاشتباكات لم تهدأ أبداً حتى ما بعد سيطرة النظام على المحافظة”.
ورأى أن: “هذه الاشتباكات ستكبر وستمتد تبعاً لما يجري في المنطقة من أحداث مهمة على الساحة الفلسطينية واللبنانية بل والجنوب السوري أيضاً، لا سيما لما نراه من ضعف النظام بعد تدهور أوضاع إيران في سورية، وكذلك بداية زوال حزب الله، وانسحاب القوات الروسية من درعا، وتراجع قوات النظام السوري من الحدود في الجولان، كل هذه الأحداث ستلعب دوراً مهماً في عودة الثورة إلى ما كانت عليه، وسنرى في الأيام القادمة حسب توقعي أحداثاً مماثلة تعيد الثورة سيرتها الأولى بإذن الله”.
جهود التفاوض لتجنب التصعيد العسكري:
وفي محاولة لتجنب التصعيد العسكري، يسعى وجهاء زاكية إلى التفاوض مع قوات النظام لمنع أي اقتحام محتمل للبلدة، وتهدف هذه الجهود إلى التوصل إلى حل وسط يضمن رفع الحصار وعودة الحياة إلى طبيعتها في البلدة، مع تجنب المواجهة المباشرة مع قوات النظام.
ومع استمرار الحصار والتوتر، يبقى مستقبل بلدة زاكية غامضاً، فإذا استمر النظام في سياسة التصعيد، قد نشهد عملية عسكرية واسعة النطاق تهدف إلى السيطرة الكاملة على البلدة، ومن جهة أخرى، قد تؤدي الضغوط المحلية والدولية إلى التوصل إلى تسوية تجنب المواجهة المباشرة، حسب مراقبين.