أثقلت الأوضاع المعيشية المتردية في شمال سوريا كاهل العائلات ذات الدخل المحدود، وخاصة التي فقدت معيلها خلال سنوات الحرب، مما دفع العديد من النساء لتحمل مسؤولية إعالة أسرهن وتأمين متطلبات الحياة الأساسية، إلا أن قلة فرص العمل وارتفاع تكلفة المعيشة وانعدام المشاريع الإنتاجية في المنطقة دفع العديد منهن للبحث عن موارد مالية عبر الإنترنت، على الرغم من المخاوف من الاستغلال والنصب الإلكتروني، خصوصاً مع قلة الخبرة في هذا المجال.
مبادرة “بصمات تقنية” لتمكين النساء من العمل الإلكتروني:
من هذا الواقع، جاءت الحاجة الملحة لإطلاق برامج تدريبية لدعم النساء الراغبات في العمل عبر الإنترنت، وتوفير بيئة آمنة وخالية من التهديدات الرقمية. وقد بادرت جمعية “بصمة أمل النسائية” في مدينة معرة مصرين بريف إدلب الشمالي الغربي، منذ حوالي شهرين، بإطلاق مبادرة “بصمات تقنية” والتي تهدف لتعليم النساء مهارات التسويق الإلكتروني وإدارة المشاريع عبر الإنترنت، إضافة إلى دعم مشاريعهن القائمة.
أوضحت مديرة الجمعية “جواهر ياسين” في حديثها إلينا أن المبادرة تستهدف النساء عموماً خاصة اللواتي يمتلكن مشاريع منزلية أو إنتاجية بحاجة إلى التسويق الإلكتروني، حيث توفر لهن دعماً تعليمياً شاملاً.
أهمية التدريب للنساء في مواجهة الاستغلال الرقمي:
أكدت “جواهر” أن الهدف من هذه المبادرة هو تمكين النساء من دخول سوق العمل الإلكتروني بكرامة، بعيداً عن استغلال التطبيقات والشات والدردشات التي تستغل تردي الأوضاع المعيشية، والتي انتشرت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وتحرص الجمعية على تقديم تدريبات متنوعة تشمل التسويق الإلكتروني، والربح عبر الإنترنت، وإدارة مواقع الويب، وتصميم الجرافيك والتصوير الفوتوغرافي، وتُقدّم جميع هذه التدريبات بشكل مجاني للنساء.
استهداف وتنوع المشاركات في المبادرة:
استهدفت مبادرة “بصمات تقنية” نحو 45 سيدة من مختلف الأعمار والمناطق في إدلب وريفها، بما في ذلك مدينة معرة مصرين. حيث تم تدريب 15 سيدة في كل ورشة، مما رفع العدد الإجمالي للمستفيدات إلى حوالي 60 سيدة، بعضهن تمكنّ بالفعل من دخول سوق العمل، بينما تعلّمت أخريات المهارات اللازمة لبدء مشاريعهن الخاصة بطمأنينة ودون خشية من الاستغلال الرقمي أو الانشغال بتطبيقات غير مجدية.
دعم استدامة المشاريع وتعزيز الحضور الإلكتروني:
تشير “جواهر” إلى أن التدريبات استضافت رائدات أعمال وصاحبات مشاريع صغيرة. حيث تم التركيز على استراتيجيات التسويق الإلكتروني وصناعة المحتوى الرقمي، لدعم حضورهن الإلكتروني وتعزيز استدامة مشاريعهن. ولم تقتصر المبادرة على التدريبات الحضور الفعلي، بل شملت أيضاً تقديم استشارات مجانية عبر الإنترنت لمتابعة أعمال المشاركات. بإشراف مدربين متخصصين في البرمجة والتصوير والتصميم.
قصص نجاح ملهمة من المشاركات:
أحد المشاركات في المبادرة. وهي سيدة تعمل في مجال الأعمال اليدوية من منزلها، شاركت تجربتها. قائلة: إنها كانت تواجه صعوبة في تسويق منتجاتها. إلا أن تواصلها مع فريق الاستشارات المجانية ساعدها في توسيع نطاق التسويق بشكل ملحوظ. وتضيف أنها تتطلع إلى تعلم المزيد من المهارات والتقنيات التي تتيحها التدريبات لتعزيز نجاح مشروعها.
تأتي مبادرة “بصمات تقنية” كحلاً مبتكراً لتمكين النساء في شمال سوريا من اكتساب مهارات رقمية تلبي متطلبات العصر. مما يساعدهن على مواجهة الظروف الاقتصادية القاسية بثقة وأمان. إذ تمكّن المبادرة النساء من دخول سوق العمل الإلكتروني بعيداً عن الاستغلال. فإنها تفتح لهن أبواباً جديدة لتحقيق استقلالهن المالي وضمان حياة أفضل لأسرهن في ظل تحديات الواقع الصعبة.