يشهد نهر الفرات، أحد أهم الشرايين المائية في سوريا، كارثة بيئية متفاقمة تتمثل في انتشار ظاهرة الصيد غير المشروع باستخدام الصعق الكهربائي.
هذه الممارسات الخطيرة التي تجري على مرأى ومسمع من السلطات المحلية، تبعاً لكلام الأهالي ووصفهم، تهدد بتدمير النظام البيئي المائي بأكمله وتعريض الثروة السمكية للانقراض.
انتشار الصيد بالكهرباء وأسبابه في نهر الفرات:
ووفقاً لشهادات الأهالي المحليين، فإن عمليات الصيد بالكهرباء وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تنتشر القوارب المجهزة بمحركات الكهرباء بشكل كثيف، في حين أكد السكان المحليون أن هذه القوارب تعمل في مجموعات منظمة تضم ثلاث سفن، في تحدٍ صارخ للقانون والأنظمة البيئية، حسب تعبيرهم.
ولم تكن هذه الظاهرة وليدة اليوم، فقد كشف الناشط السياسي أحمد بكار، ابن مدينة الرقة، عن جذور تاريخية لهذه المشكلة تمتد لعقود.
ويروي بكار تجربة شخصية عاشها في 2004 خلال رحلة نهرية، حيث شهد مشاهد مروعة لمئات الأسماك النافقة تغطي سطح الماء، معظمها من الصغار، نتيجة الصعق الكهربائي واستخدام الديناميت، بحسب ما تحدث به لمنصة SY24.
شهادات السكان عن تواطؤ السلطات وتفاقم الفساد:
وفي تفاصيل لافتة للانتباه، يكشف بكار عن منظومة فساد متجذرة كانت قائمة حتى في تلك الفترة. حيث كان مراقبو مؤسسة الأسماك في مديرية الزراعة يتقاضون رشاوى من الصيادين المخالفين وينسقون معهم، مضيفا وبطريقة تهكمية “لا غرابة أن تستفحل الظاهرة اليوم وقد انهار كل شيء”.
ويؤكد مصدر محلي آخر (فضّل عدم الكشف عن هويته) في حديثه لمنصة SY24. على أن الممارسات غير المشروعة تنتشر في جميع مناطق نهر الفرات، سواء في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أو مناطق النظام السوري وميليشياته.
وما يزيد الأمر خطورة، بحسب المصدر، هو توقيت هذه الممارسات الذي يتزامن مع ذروة موسم تكاثر الأسماك، مما يهدد استمرارية وتجدد الثروة السمكية.
وفي كشف عن عمق الفساد المستشري، يشير المصدر إلى وجود تواطؤ مباشر بين السلطات المحلية والصيادين المخالفين. حيث يتم تقاسم الحصص من الثروة السمكية بينهم، وفق كلامه.
كما يلفت إلى انتشار ظاهرة المحسوبيات في منح تراخيص الصيد. موضحاً أن أي شخص يرغب في ممارسة الصيد في نهر الفرات يحتاج إلى “واسطة كبيرة”.
التداعيات البيئية والاقتصادية للصيد الجائر:
وتتعدى آثار هذه الممارسات الكارثية البعد البيئي لتطال الجانب الاقتصادي والاجتماعي. فمع تراجع المخزون السمكي بشكل حاد ارتفعت أسعار الأسماك في الأسواق المحلية. وتأثرت مصادر دخل الصيادين التقليديين الذين يمارسون مهنتهم بطرق مشروعة وآمنة بيئياً. كما أن هذا التراجع يهدد الأمن الغذائي للمنطقة، خاصة مع اعتماد الكثير من السكان على الأسماك كمصدر رئيسي للبروتين.
وفي ظل هذا الوضع المأساوي، يحذر خبراء البيئة من عواقب وخيمة على المدى البعيد. فالصيد بالكهرباء لا يقتصر ضرره على قتل الأسماك بجميع أحجامها دون تمييز. بل يمتد ليشمل تدمير البيض وأماكن التكاثر، وقتل الكائنات المائية الأخرى المهمة للنظام البيئي. إضافة إلى التأثير السلبي للصعق الكهربائي على نوعية المياه، بحسب مراقبين مهتمين بهذا الملف.
الحلول المقترحة لإنقاذ الثروة السمكية:
ويرى المراقبون أن الحل يكمن في اتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة تبدأ بتفعيل دور شعبة حماية الثروة السمكية. وفرض عقوبات رادعة على المخالفين، مع ضرورة تنظيم عمليات الصيد وتحديد مواسمه.
كما يشددون على أهمية توعية المجتمع المحلي بمخاطر الصيد الجائر. وكما ان إنشاء نظام رقابة فعال ومستقل، إلى جانب دعم الصيادين التقليديين وحماية مصالحهم.
ومع كل ذلك، يُجمع سكان المنطقة على أن نهر الفرات، هذا الشريان الحيوي الذي غذى المنطقة لآلاف السنين. يواجه اليوم تهديداً وجودياً حقيقياً. فمع استمرار الصيد بالكهرباء وغياب الإجراءات الرادعة. تلوح في الأفق كارثة بيئية قد تؤدي إلى فقدان هذا المورد الحيوي بشكل لا رجعة فيه. مما سيترك ندوباً عميقة في النسيج البيئي والاجتماعي والاقتصادي للمنطقة. وسيحرم الأجيال القادمة من ثروة طبيعية لا تقدر بثمن، حسب آرائهم.