محاولات محلية لتثبيت الأمن.. وتجاوزات مستمرة في درعا

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - SY24

تشهد محافظة درعا جنوب سوريا تطورات متسارعة في مشهد يتراوح بين محاولات حثيثة لضبط الوضع الأمني من جانب القوى المحلية، وبين استمرار المآسي الإنسانية التي تعصف بأبناء المحافظة.

جهود الفصائل المحلية في تثبيت الأمن:

وفي المستجدات وفي خطوة تعكس تنامي الوعي المحلي بضرورة تنظيم الوضع الأمني، أعلنت الفصائل المحلية في مدينة نوى بريف درعا الغربي عن تشكيل قوة مشتركة تهدف إلى ضبط الأمن وتوفير الحماية للمدنيين، في مسعى لمواجهة حالة الفلتان الأمني المتزايدة في المنطقة.

وجاء تشكيل هذه القوة المشتركة بعد سلسلة من الاجتماعات المكثفة بين ممثلي مختلف الفصائل المحلية العاملة في المنطقة، حيث تم التوافق على ضرورة توحيد الجهود الأمنية تحت مظلة واحدة.

وأسفرت هذه المشاورات عن انتخاب مجموعة من الشخصيات المحلية المشهود لها بالكفاءة والنزاهة لقيادة هذه القوة المشتركة وتنسيق عملياتها الأمنية، في خطوة تهدف إلى تعزيز الاستقرار في المدينة وحماية المدنيين من التهديدات الأمنية المتزايدة، بحسب الأخبار الآتية من المنطقة.

وفي إطار تنظيم عمل هذه القوة المشتركة، تم إصدار مجموعة من القرارات التنظيمية الصارمة التي تهدف إلى ضبط الوضع الأمني في المدينة/ من أبرزها منع إطلاق النار في المناسبات الاجتماعية بشكل قاطع، مع التأكيد على فرض عقوبات قانونية صارمة على المخالفين.

كما تضمنت القرارات حظراً شاملاً على ارتداء اللثام سواء للمدنيين أو العسكريين، مع التشديد على اتخاذ إجراءات حازمة ضد كل من يخالف هذه التعليمات.

وحول ذلك، قال الباحث والصحفي حسام البرم لمنصة SY24: “إن مدن نوى والشيخ مسكين كانت تمتاز ومن قبل اندلاع الثورة بارتفاع معدلات التنمية والتعليم والتوظيف والدراسة الجامعية إضافة مدن طفس ودرعا البلد، وجميعها تحاول إدارة شؤونها من خلال المجالس المحلية أو من خلال وجهاء العشائر بشكل غير مباشر.

وهذا النمط بدأ يظهر في المحافظة منذ العام 2012 ولكنه أصبح أكثر تنظيما في العام 2014 وتم انتخاب مجالس محلية تعبر بشكل حقيقي عن التركيبة الاجتماعية للبنية العشائرية وغيرها، وأغلب بقايا هذه المجالس لعبت وما تزال دورا في عملية التنظيم في هذه المناطق.

وهناك أشخاص انخرطوا في هذا المجال (الإدارة المحلية) من العام 2014 حتى العام 2018، وكانوا الأجدر بالإدارة المحلية، حيث أن الانتخابات كانت تتم من خلال وجهاء العشائر ومن خلال حالة التوافق. ولكن اليوم هناك صدام واضح ما بين حالة التوافق وبين حالة التهميش الخدمي والفوضى الأمنية بسبب النظام وأذرعه في المنطقة”.

وأضاف: “على اعتبار أن الوضع الأمني هو أولوية لسكان المنطقة فإنهم أدركوا أنه لا بد من التحرك في إطار إدارة مدنية بعيدا عن النظام غير القادر على حماية نفسه، حتى يتم خلق مجموعات قادرة على ضبط الأمن في المنطقة من خلال هذا الحراك المدني”.

المأساة الإنسانية في سجون النظام السوري:

وفي تطور مأساوي يعكس استمرار الانتهاكات في سجون النظام السوري، تلقت عائلة أحد الشباب المعتقلين خبراً بمقتل ابنهم تحت التعذيب في أحد معتقلات النظام في دمشق، وقد تم تسليم العائلة شهادة وفاة رسمية من اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سوريا، تؤكد وفاة ابنهم في أيار/مايو 2020، بعد رحلة معاناة بدأت باعتقاله في تشرين الأول/أكتوبر 2018.

وتكشف تفاصيل اعتقال الشاب حجم المأساة التي تعرض لها، حيث بدأت قصته باستدعاء من مسؤول مكتب أمن ميليشيا “الفرقة الرابعة” في حي الضاحية بدرعا.

وتعرض الشاب المذكور للتحقيق والتعذيب لمدة يومين في مكتب أمن “الفرقة الرابعة”، قبل أن يبدأ مسلسل تنقله بين عدة فروع أمنية في دمشق، شملت سرية المداهمة 215 وفرع فلسطين وفرع الخطيب وأخيراً فرع التحقيق العسكري 248، حيث انقطعت أخباره نهائياً حتى ورود خبر مقتله.

ولم تكن حالة الشاب فريدة، فقد شهدت درعا مأساة مماثلة بمقتل شاب آخر من مدينة الحراك تحت التعذيب في سجن تابع لفرع المخابرات الجوية بدمشق، بعد اعتقال استمر تسع سنوات.

وفي هذا الجانب، أكد البرم على أن حالة الاعتقال وعمليات التعذيب في سجون النظام ما تزال مستمرة، وهناك عمليات تعذيب يتم الإعلان عنها وحالات أخرى لا يعلن عنها من حين لآخر حيث يتم دفنهم في مقابر النظام وكأنهم مجرد أرقام فقط، وهذا تطور طبيعي للتراكمات والانتهاكات السابقة التي مارسها وما يزال النظام وأذرعه الأمنية والتي تظر اليوم للعلن، وفق تعبيره.

يذكر أنه في أيلول/سبتمبر الماضي، هز المحافظة خبر مقتل شابين آخرين تحت التعذيب في سجون النظام، مما أثار موجة غضب واستياء عارمة بين الأهالي.

وقد أدت هذه الأحداث المتتالية إلى تصاعد حالة القلق والاشمئزاز بين أهالي درعا، الذين يعبرون عن مخاوفهم المتزايدة من استمرار حملات الاعتقال التي تستهدف المدنيين.

ويزيد من حدة هذه المخاوف استمرار الصمت الدولي المطبق تجاه هذه الانتهاكات، في ظل غياب أي تحرك جدي من المجتمع الدولي لوقف هذه الممارسات.

وتبقى درعا، التي كانت شرارة انطلاق الثورة السورية، تعيش واقعاً مريراً يجمع بين محاولات محلية لضبط الأمن وتنظيم الحياة المدنية من جهة، واستمرار الانتهاكات والجرائم في سجون النظام من جهة أخرى.

تأثير الصفقة الروسية في عام 2018 على الاستقرار الأمني:

من جانبه، قال الباحث في مركز حرمون للدراسات، محمد السكري في حديثه لمنصة SY24: “لم ينجح النظام السوري، منذ سيطرته على مدينة درعا في بسط سيطرتها الكاملة على المدينة، وتعذر عليه (احتكار العنف) وإنما قام (بتوزيع العنف) بسبب عدم قدرته على احتكاره بشكل كامل، وذلك بوساطة روسية التي حاولت إدارة هذا العنف والسلاح المعارضة، عبر تشكيل بنية عسكرية جديدة للمعارضة السورية وضبطها بالحد المقبول وتجريد سلاحها (ظاهرياً)”.

وتابع: “لكن مع الوقت تبيّن صعوبة ضبط المنطقة وفق هذا السيناريو، على العكس تحولت درعا لمنطقة ذات خطورة أمنية عالية في ظل انتشار الفرقة الرابعة والميليشيات الإيرانية في بعض المناطق، ورغم شن النظام عمليات عسكرية عديدة إلا أنه لم يستطع بسط سيطرته على البيئة المعارضة، وذلك يعود لطبيعة الصفقة المعقودة عام 2018، التي تعلي من شأن إدارة العنف بدلاً من الإنهاء بشكل كامل لتعذر الإنهاء، بالتالي كل الإرهاصات الحالية هي من تداعيات تلك الصفقة، مما يفتح المجال أمام استمرار العنف والاشتباكات مع النظام وسلسة الاغتيالات الناعمة، مع ضبط المشهد الكلي بعدم الانزلاق لحرب شاملة إلا في حالة حدوث تغيير سياسي وأمني في المعادلات القائمة”.

ووسط كل ما تم ذكره، يشكل التعذيب الممنهج في هذه السجون جرحاً نازفاً في وجدان الشعب السوري، خاصة مع استمرار سياسة الإفلات من العقاب وغياب المحاسبة الدولية على هذه الجرائم المتواصلة، بحسب مراقبين.

مقالات ذات صلة