تتفاقم الأزمة الخدمية في مدينة دير الزور السورية يوماً بعد يوم، مع تراكم أكوام النفايات أمام المؤسسات التعليمية في مشهد بات يهدد الصحة العامة للطلاب والكادر التعليمي على حد سواء.
وتبرز قضية انتشار النفايات أمام المدارس كنموذج صارخ لتردي الواقع الخدمي في المدينة، حيث تتحول محيط المدارس إلى ما يشبه مكبات النفايات المفتوحة، بحسب ما تحدث به عدد من سكان المدينة الخاضعة لسيطرة النظام السوري وميليشياته.
وفي حي القصور داخل مدينة دير الزور، تقف مدرسة الرواد الخاصة شاهداً حياً على حجم المعاناة، حيث تواجه إدارة المدرسة تحدياً يومياً مع وجود حاوية نفايات أمام مدخلها الرئيسي.
وتؤكد إدارة المدرسة في حديثها أن “الروائح الكريهة المنبعثة من الحاوية، خاصة أثناء عملية تفريغها، تجعل من الصعب على الطلاب التنفس بشكل طبيعي، ناهيك عن المشهد المؤلم لمرورهم اليومي عبر أكوام القمامة المتراكمة”.
وفي محاولة لحل المشكلة، تقدمت إدارة المدرسة بطلبات متكررة لمجلس المدينة لإزالة الحاوية، مستندة في طلبها إلى وجود حاويتين أخريين في المنطقة المجاورة، مما يجعل وجود حاوية ثالثة أمام المدرسة أمراً غير ضروري، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل، مع اكتفاء المجلس بترحيل محتوى الحاوية “وفق إمكاناته المحدودة”، دون النظر في إمكانية نقلها إلى موقع آخر، وفق ما أفاد به مهتمون بالملف التعليمي والخدمي.
وتباينت روايات الأهالي حول أسباب المشكلة وسبل حلها، حيث أشار العديد من السكان إلى أن تأخر تفريغ الحاويات الذي قد يمتد إلى عشرة أيام، هو السبب الرئيسي في تراكم النفايات، في حين يؤكد آخرون أن نقص المحروقات والآليات في مجلس المدينة يعيق عمليات جمع النفايات بشكل منتظم.
وفي السياق، روى أحد سكان الحي تجربته قائلاً: “عندما نتقدم بشكوى للبلدية بخصوص الحاوية، يكون الرد أن إدارة المدرسة هي المصرة على وجودها في هذا المكان”، في المقابل، تؤكد إدارة المدرسة سعيها المستمر لإزالة الحاوية دون أي نتائج تذكر.
ولا تقتصر المشكلة على مدرسة الرواد فحسب، إذ تعاني مدارس أخرى من الوضع نفسه، ففي شارع التكايا، تواجه مدرسة مصطفى الأمين مشكلة مماثلة، كما تقوم سيارات النظافة بتفريغ جزئي للحاويات، تاركة خلفها كميات كبيرة من النفايات في الشوارع.
بدورهم، يؤكد سكان المدينة على أن المشكلة تمتد لتشمل جميع أحياء دير الزور، بحسب كلامهم.
وفي هذا الصدد، تتعدد المخاطر الصحية والبيئية الناجمة عن هذه الأزمة، وفق تحذيرات جهات طبية متطابقة، ومنها: انتشار الروائح الكريهة خاصة في فصل الصيف، تشكل مستنقعات مياه آسنة أمام المدارس في موسم الأمطار، مخاطر انتشار الأمراض والأوبئة بين الطلاب، تأثير سلبي على الصحة النفسية للطلاب والمعلمين.
ووسط كل ذلك، يضطر السكان والطلاب للتكيف مع الوضع الراهن في ظل غياب الحلول، حيث يتجنب بعض السكان الخروج من منازلهم بسبب الروائح الكريهة، كما يضطر الطلاب للمرور فوق النفايات للوصول إلى مدارسهم، في حين تحاول بعض المدارس تنظيم حملات نظافة محدودة لكنها تبقى حلولاً مؤقتة.
وحول ذلك، قال الناشط السياسي والمتابع للشأن الإنساني والخدمي شرق سوريا، عبد المنعم المنبجاوي لمنصة SY24: “مع الأسف هذه أزمة مستمرة في عموم المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في دير الزور وغيرها، في ظل غياب الحلول الجذرية وتضارب المسؤوليات، مما يجعل من طلاب المدارس وسكان المنطقة ضحايا لواقع خدمي متردٍ يزداد سوءً يوماً بعد يوم”.
وأضاف: “النظام لا يأبه لانتشار أكوام القمامة أمام أبواب المدارس أو بالقرب منها، وهذا أحد الأسباب المرتبطة بالواقع التعليمي المتردي في عموم المدارس التي تتبع للنظام وكما أشرنا سواء في دير الزور أو محافظات أخرى تخضع لسيطرته”.
وحذّر من أن استمرار الحال على ما هو عليه وخاصة مع حلول الشتاء وتشكل مستنقعات المياه التي تختلط بأكوام القمامة، سيكون لها تداعيات سلبية على صحة الأطفال بشكل خاص وعلى صحة المدنيين الذين تنتشر في أحيائهم أكوام القمامة أو الحاويات الممتلئة والتي يتجاهلها النظام وأذرعه الخدمية في المدينة، وفق وجهة نظره.
وفي ظل هذا “الواقع المأساوي”، وفق وصف السكان، تتعالى الأصوات المطالبة بتحرك عاجل من قبل السلطات المحلية لوضع خطة شاملة لمعالجة أزمة النفايات في المدينة وتوفير الموارد اللازمة لمجلس المدينة للقيام بواجباته، إضافة إلى إعادة النظر في توزيع حاويات النفايات بعيداً عن المدارس وتفعيل دور الرقابة الصحية والبيئية.