تتزايد الأصوات المطالبة بتأسيس نقابة عمالية تحمي حقوق العمال المستباحة وتدافع عن مصالحهم المشروعة، في مشهد يعكس عمق المعاناة التي يواجهها العمال في المناطق المحررة شمالي سوريا.
وتأتي هذه المطالبات في ظل غياب شبه كامل للتمثيل النقابي، وتفاقم الانتهاكات التي يتعرض لها العمال في مختلف القطاعات، حسب ناشطين في المجال الإغاثي والإنساني.
وتحدث مأمون سيد عيسى، العامل في المجال الطبي والإنساني شمالي سوريا، عن هذا الواقع المرير وفق وصفه، مشيراً إلى أن العمال السوريين كانوا يتمتعون بتمثيل نقابي منذ عام 1938 من خلال “اتحاد العمال”، في حين أن المناطق المحررة تفتقر اليوم في عام 2024، إلى أي شكل من أشكال التنظيم النقابي، باستثناء نقابة وحيدة تمثل عمال الخدمات الصحية في إدلب.
وفي ظل انتشار البطالة بمعدلات مرتفعة تصل إلى 88%، وفقاً لتقرير منسقو الاستجابة، يجري استغلال هذا الواقع المأساوي بشكل صارخ، حيث يضطر العمال وخاصة غير المتخصصين والنساء والأطفال، للقبول بأجور زهيدة لا تكفي لتأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة، حسب سيد عيسى.
وتتجلى الحاجة الملحة لتأسيس نقابة عمالية في المناطق المحررة من خلال الانتهاكات المتكررة لحقوق العمال، والتي تشمل: عدم دفع الأجور من قبل بعض أصحاب العمل، غياب معايير السلامة المهنية خاصة في المهن الخطرة مثل العمل في حراقات البترول، انتشار ظاهرة عمالة الأطفال بشكل مقلق، فرض ساعات عمل طويلة دون تعويض مناسب، وغياب التأمينات والضمانات الاجتماعية.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية تأسيس نقابة عمالية موحدة تضطلع بمهام أساسية تشمل: حماية الحقوق العمالية والدفاع عنها أمام الجهات المعنية، التفاوض الجماعي مع أصحاب العمل لتحسين شروط وظروف العمل، تقديم الدعم القانوني للعمال في قضايا المطالبة بحقوقهم المهدورة، العمل على تطوير مهارات العمال وتأهيلهم مهنياً، مكافحة الاستغلال وعمالة الأطفال، وتعزيز التضامن بين العمال ومنحهم صوتاً موحداً للمطالبة بحقوقهم.
وحول ذلك، قال مجيب خطاب، مساعد باحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية لمنصة SY24: “يعد تأسيس نقابة للعمال في المناطق المحررة (شمال غرب سوريا) ضرورة ملحة، إلا أنه يتطلب التغلب على تحديات متعددة، حيث يمثل الانقسام السياسي وتعدد الأطراف المسيطرة أبرز العقبات أمام حصول النقابة على شرعية قانونية، مما يحد من فعاليتها وقدرتها على التأثير في سياسات العمل أو الضغط على أصحاب العمل لتحقيق شروط عمل عادلة”.
وأضاف: “كذلك، تعد الاستقلالية المالية تحدياً أخر، حيث تعتمد غالبية المبادرات في هذه المناطق على تمويل خارجي أو دعم من جهات محلية ذات أجندات سياسية وايديولوجية، مما يجعل النقابة عرضة لتأثيرات خارجية ويضعف قدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة تعكس احتياجات العمال، إضافة إلى ذلك، تفتقر المنطقة إلى إطار قانوني موحد يدعم النقابة، وذلك يجعل من الصعب فرض التزامات مثل الأجور العادلة أو ساعات العمل المناسبة”.
ولفت إلى أن: “الظروف الاقتصادية الهشة تزيد من تعقيد هذه المهمة؛ إذ إن ارتفاع معدل البطالة (88%) يضطر العمال إلى قبول ظروف عمل غير ملائمة لتأمين معيشتهم، وبالتالي يضعف من فعالية النقابة في إحداث تغييرات حقيقية، كما أن الوعي المحدود بدور النقابات لدى العديد من العمال في هذه المناطق يقلل من استعدادهم لدعم النقابة ماليا أو المشاركة في أنشطتها”.
ورأى أنه” “بالنسبة لقضايا عمالة الأطفال واستغلال النساء في العمل، فإن التصدي لها يتطلب شراكات فعالة مع منظمات المجتمع المدني المتخصصة في هذا المجال، إلى جانب وضع ضمانات قانونية لحماية النساء العاملات وحماية الأطفال من العمالة، لتعزيز حماية حقوق الفئات الأكثر ضعفاً”.
وتشير التجارب العالمية إلى أن وجود نقابات عمالية قوية يسهم بشكل فعال في تحسين ظروف العمل وحماية حقوق العمال، في حين أن غياب هذا التمثيل النقابي في المناطق المحررة يفسر تفاقم الانتهاكات التي يتعرض لها العمال وعجزهم عن المطالبة بحقوقهم بشكل جماعي ومنظم، بحسب المصادر ذاتها.
ويؤكد المراقبون أن تأسيس نقابة عمالية موحدة في المناطق المحررة لم يعد ترفاً، بل ضرورة ملحة لحماية حقوق شريحة واسعة من المجتمع تعاني من الاستغلال وغياب الحماية القانونية، فالنقابة ستشكل درعاً واقياً للعمال وصوتاً يعبر عن مطالبهم المشروعة في ظروف عمل إنسانية وعادلة.
ووسط كل ذلك، تبدو الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى لتضافر جهود كافة الأطراف المعنية من أجل الإسراع في تأسيس نقابة عمالية تكون بمثابة المظلة التي تحمي العمال وتدافع عن حقوقهم المستباحة في المناطق المحررة شمالي سوريا.