الرقة.. ظاهرة تتفاقم وتهدد مستقبل جيل كامل

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - SY24

يتسابق عشرات الأطفال مع شروق الشمس في منطقة الرقة شرق سوريا، إلى أعمال شاقة تفوق قدراتهم الجسدية والنفسية، في ظاهرة باتت تؤرق المجتمع المحلي والمنظمات الإنسانية على حد سواء.

وفي هذا السياق، أطلق مكتب حماية الطفل في الرقة تحذيراً جديداً من تفاقم ظاهرة عمالة الأطفال التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة.

وأشار مصدر مسؤول في مكتب حماية الطفل، حسب تسجيل مصور نشره المجلس التنفيذ في الرقة التابع للإدارة الذاتية، إلى جملة من التحديات المعقدة التي تواجه جهود مكافحة هذه الظاهرة.

وأوضح المصدر أنه رغم جهوده المتواصلة للحد من انتشار الظاهرة في المدينة وريفها، يواجه صعوبات جمة في وقفها بشكل كامل.

وأشار إلى شبكة معقدة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تغذي هذه الظاهرة، حيث يأتي الفقر المدقع في مقدمتها، مصحوباً بفقدان المعيل الرئيسي للأسرة – وهو أمر شائع في منطقة مزقتها الحرب.

كما أن الأعداد الكبيرة لأفراد العائلات تضع ضغوطاً إضافية على الأسر، دافعة بها إلى الزج بأطفالها في سوق العمل.

واعتبر المصدر ذاته أن الفشل الدراسي والتسرب من المدارس يشكلان عاملين إضافيين يسهمان في تفاقم المشكلة، محذراً في ذات الوقت من التداعيات النفسية والاجتماعية الخطيرة لهذه الظاهرة.

وأوضح أن حرمان الطفل من مرحلة الطفولة الطبيعية يؤدي إلى تشوهات عميقة في تكوين شخصيته. لافتاً إلى أن هذه المرحلة الحساسة من حياة الإنسان تعد أساسية في بناء الشخصية واكتساب الخبرات الضرورية للنمو السليم.

وفي إطار الجهود المبذولة للتصدي لهذه الظاهرة، تحدث المصدر عن استراتيجية متعددة المحاور يتبناها المكتب، تشمل: تنظيم جلسات توعية مكثفة تستهدف الأطفال ومقدمي الرعاية من الأهالي، تقديم خدمات الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال المتضررين، إنشاء مراكز متخصصة لتأهيل الأطفال وتنمية مواهبهم، وتطوير برامج لدعم اندماج الأطفال في الحياة الاجتماعية بشكل صحي.

وحول ذلك، قال الناشط السياسي وابن مدينة الرقة، أحمد بكار لمنصة SY24: “ظاهرة عمالة الأطفال مزمنة وتزداد في الأزمات، والفقر وفقدان المعيل من أهم المسببات، أمّا كثرة أفراد العائلة فلم تكن في يوم سببا على ما أظن، وكذلك الفشل الدراسي فهو ناجم غالبا عن المنظومة التعليمية واكتظاظ المدارس وضعف الكادر التعليمي ولا يُحمل للتلميذ”.

وتابع: “اليوم حضر سبب إضافي خاص بالمرحلة وهو اعتماد أكثر من منهاج للتعليم في مناطق الحكم الذاتي، حيث أصبح هناك مدارس شبه سرية تعتمد كتب التعليم القديم، في حين جاء فرض منهاج إدارة الأمر الواقع منفراً للأهالي والتلاميذ، حيث رأوا فيه اعتداءً على ثوابت ومسلمات المجتمع، فلاقى مقاومة ومقاطعة زادت من ابتعاد الأطفال عن التعليم رغم الرغبة الشديدة في التعلم”.

وأكد قائلاً: “بالطبع، لا يمكن معالجة عمالة الأطفال بالتنظير والنوايا، بمعزل عن معالجة وضع الأسرة والمجتمع”.

بالمقابل، وفي السياق التشريعي، يشكل قانون حماية الطفل الذي صادق عليه المجلس التشريعي في الإدارة الذاتية قبل أكثر من عامين إطاراً قانونياً شاملاً للتصدي لهذه الظاهرة.

ويتضمن القانون، الذي يشتمل على 86 بنداً، أحكاماً تفصيلية تتعلق بحماية الأطفال ورعايتهم وتثقيفهم. كما ينص على تشكيل مجالس متخصصة لرعاية الطفل.

ويضع القانون ضوابط صارمة لتشغيل الأطفال، محدداً السن القانونية للعمل وساعات العمل المسموح بها، مع حظر صريح لظاهرة تسول الأطفال.

ورغم هذه الجهود المؤسسية والتشريعية، تبقى التحديات الاقتصادية والاجتماعية عقبة كؤود أمام القضاء على هذه الظاهرة. وفي حين ويرى مراقبون أن معالجة جذور المشكلة تتطلب مقاربة شاملة تجمع بين التدخلات الاقتصادية لدعم الأسر المحتاجة. وتعزيز النظام التعليمي، وتطوير برامج الحماية الاجتماعية، مع تفعيل أكثر صرامة للإطار القانوني القائم.

ووسط كل ذلك، تبقى مأساة أطفال الرقة شاهداً حياً على التكلفة الإنسانية الباهظة للصراع في سوريا. حيث يدفع الجيل الأصغر سناً ثمن أزمة لم يكن لهم يد في صنعها. ما يهدد بتداعيات اجتماعية ونفسية قد تمتد لعقود قادمة، وفق مراقبين.

مقالات ذات صلة